محمد سيد رصاص
“نورث برس”، 12 أيلول 2021
في انتخابات البرلمان المغربي التي جرت بفترة 7-9 أيلول\سبتمبر 2021 خسر حزب العدالة والتنمية،وهو الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين، 112 مقعداً من مقاعده 125 التي كانت له في البرلمان المنتخب عام 2016، وقد نزل في ترتيب أحزاب البرلمان من المركز الأول إلى الثامن.كان حزب العدالة والتنمية يتولى رئاسة الحكومة منذ انتخابات نوفمبر 2011، وقد زادت مقاعده في ذلك العام 61 مقعداً ليحتل المرتبة الأولى برلمانياً ثم زادت مقاعده بعد خمس سنوات 18 مقعداً ليصل إلى 125مقعداً من أصل 395 مقعداً هي مجموع مقاعد البرلمان المغربي. هنا، كانت انتخابات 2011 على وقع الموجة الاسلامية الاخوانية، المدعومة أميركياً وتركياً، والتي أتت مع ما سمي بـ “الربيع العربي”،وكانت انتخابات 2016 تعبيراً عن عدم تأثر المغرب ببدء انحسار موجة الإسلام السياسي البادئة مع سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر بيوم 3 يوليو 2013 بعد فشلهم في سنة أولى حكم.
على هذا الصعيد، كان غروب شمس الاسلام السياسي مدوياً في المغرب في انتخابات برلمان 2021 وهو تعبير قوي عن انحسار موجة الإسلام السياسي. في تونس كان التعبير عن هذا الانحسار مبكراً،فقد نزلت مقاعد حركة النهضة من 89 عام 2011 إلى 69 عام 2014 وإلى 52 في انتخابات برلمان 2019 رغم أنها ظلت تحتل المرتبة الأولى بين أحزاب البرلمان البالغة مقاعده 217 مقعداً. في تركية خسر حزب العدالة والتنمية سبع أصواته بانتخابات برلمان 2018 ونزل من 49,50% بانتخابات 2015 إلى 42,56%، وهو مثل قرينه المغربي قد زادت نسبة أصواته عام 2015 ب 8,63% ولم تكن قد وصلت تأثيرات بدء انحسار موجة الإسلام السياسي عليه، فيما كانت تأثيرات هذا الانحسار عام 2018 واضحة ،وهناك مؤشرات كثيرة على أن القوة التصويتية لحزب أردوغان بالسنوات الثلاث الماضية هي في حالة نزول كبير.
في سوريا، هناك طلاق بين كتل اجتماعية كبرى نازحة من محافظات إدلب وحلب والرقة ودير الزور وبين الاسلام السياسي نتيجة ممارسات الحركات الاسلامية أثناء سيطرتها على تلك المناطق، وهناك شعور كبير عند الكتل الاجتماعية التي كانت تدعم حركات الإسلام السياسي السورية، بفرعيها الأصولي الإخواني والسلفي الجهادي، أو مازالت تدعمه، بفشل هذه الحركات والتأثيرات الاجتماعية الكارثية،من تهجير ونزوح وضحايا،التي ولدتها مغامرات الإسلاميين السوريين الفاشلة في أحداث 1979-1982 وفي أزمة 2011-2021، وهذا الشعور بالفشل حتماً سيترجم بهجرات وابتعادات من تلك الكتل الاجتماعية عن الإسلام السياسي.
بالتأكيد، هنا، لا يمكن للمغرب أو تونس أو سوريا أن يعلنا بدء موجة مد سياسي أو انحسار سياسي في عموم المنطقة العربية،بل هذا اختصاص مصري في المئة السنة الأخيرة، فقد أعلنت ثورة 1919 عن بدء الموجة الليبرالية العربية،ثم أعلن انقلاب 23 يوليو 1952 عن بدء الموجة القومية العروبية،ثم كان صعود الاسلام السياسي المصري بالسبعينيات بداية لموجة المد عند الاسلام السياسي في المنطقة الممتدة بين الكويت والرباط شرقاً وغرباً وبين حلب وصنعاء شمالاً وجنوباً.بالمقابل كانت مصر بداية الانحسار للموجات السياسية،حيث بدأ احتضار الموجة الليبرالية العربية مع اقتحام الدبابات البريطانية لقصر عابدين في يوم 4 فبراير 1942 لفرض تعيين زعيم حزب الوفد رئيساً للحكومة على الملك فاروق، وبدأ احتضار (=انحسار) الموجة القومية العروبية مع هزيمة مصر في حرب 5 يونيو 1967، وبدأ انحسار موجة الاسلام السياسي مع سقوط حكم جماعة الاخوان المسلمين بالقاهرة في يوم 3 يوليو 2013.
على هذا الصعيد، من الخطأ تاريخياً،على صعيد الوقائع، ربط المد الاسلامي مع صعود الخميني للسلطة في ايران يوم 11 شباط\فبراير 1979،بل يجب القول بأن 11 شباط 1979 هو البدء لموجة اسلامية خاصة هي المد في قوة حركات الاسلام السياسي الشيعية،وهو ما ترجم في العراق والبحرين ولبنان واليمن وأفغانستان.
هذا الخطأ يقع فيه الكثير من المحللين بالمنطقة في تأثر بالأبحاث الغربية عن ظاهرة الاسلام السياسي، والتي بغالبيتها العظمى هي أبحاث ضعيفة وسطحية. الدليل على هذا الخطأ أن انحسار موجة الاسلام السياسي البادئة من يوم 3 يوليو 2013 المصري تشمل فقط حركات الاسلام السياسي السنية في عموم المنطقة العربية وعند الأتراك والأرجح في باكستان وماليزيا ولاتشمل حتى الآن حركات الاسلام السياسي الشيعية التي مازالت في حالة مد قوي في لبنان واليمن والبحرين والعراق وستقوى أكثر،كرد فعل، في أفغانستان بعد وصول حركة طالبان للسلطة في كابول.
كتكثيف: يظهر المثال المغربي، ومعه التونسي، أن أفضل وسيلة لمجابهة الاسلام السياسي هي صندوق الاقتراع، وليس ارتماء اليساريين والليبراليين والعلمانيين في أحضان “الديكتاتور المنقذ”.