يفرق كارل ماركس بين مصطلحي (الطبقة في ذاتها) و (الطبقة من أجل ذاتها).
(الطبقة في ذاتها)، حسب ماركس، هي مجموعة اجتماعية تملك علاقات إنتاج مع وسائل الانتاج. (الطبقة من أجل ذاتها) هي منظومة طبقية تعي مصالحها وتفرز أفكاراً ومؤسسات سياسية وثقافية ودستورية وتشريعية من أجل حماية وتعزيز هذه المصالح. ماركس يرى أن الطبقة لا تتكون إلا عندما يكون هناك وصولاً من قبل مجموعة اجتماعية إلى وضع (الطبقة من أجل ذاتها) بكل مايعنيه هذا من وعي طبقي يفرز تمظهرات مطابقة في الوعي السياسي-الثقافي-الاجتماعي.
في فترة (الطبقة في ذاتها) لا يكون هناك نظاماً اقتصادياً رأسمالياً مرفوقاً برديف سياسي، حيث تكون الصناعة والتجارة والمصارف تحت خيمة الملكية الخاصة،بل يكون هناك رأسماليين في نظام اقتصادي-اجتماعي-سياسي – ثقافي غير رأسمالي أويكون نظاماً اقتصادياً –اجتماعياً- سياسياً- ثقافياً ل(رأسمالية الدولة)، حيث تملك الدولة السيطرة على علاقات الانتاج ووسائل الانتاج،يوجد فيه رأسماليون يسمح لهم نظام (رأسمالية الدولة) بالعمل وفق مبدأ الملكية الخاصة ولكن من خلال علاقة “ما”وتداخلات معينة مع (رأسمالية الدولة).
مصطلحا (الطبقة في ذاتها) و (الطبقة من أجل ذاتها) يمكن تطبيقهما على مرحلة نشوء ومرحلة تكون كل الطبقات بما فيها الطبقة العاملة.
في مصر 23 يوليو 1952 وسوريا 8 آذار 1963 أفرز انقلابان عسكريان وصلت من خلاله مجموعة سياسية، ذات خلفيات طبقية ريفية أومن الفئات البينية في المدن والبلدات الصغرى، إلى السيطرة على السلطة السياسية،ومن خلال قوة الأخيرة تم إحداث انقلاب جذري في البنية الاقتصادية- الاجتماعية السابقة التي كانت تسيطر من خلالها رأسمالية صناعية – مصرفية- تجارية على علاقات الإنتاج، بالتحالف مع الملاكين الكبار في الريف، وعبر تلك السيطرة كانت تسيطر على السلطة السياسية بالترافق مع وعي طبقي سياسي – ثقافي بمصالحها.
تم عبر 23 يوليو 1952 المصري و 8 آذار السوري انشاء نظام من (رأسمالية الدولة)، ولكنه، كمسار حتمي لكل التجارب العالمية لنظام (رأسمالية الدولة) كان الأخير رحماً لتوليد نظام (اقتصاد السوق)، وفي البعض منها كانت الولادة يحل فيها الوليد بدل الأم (مثل أنظمة أوروبا الشرقية التي كانت في حلف وارسو) أو يتجاوز الوليد مع الأم في علاقة تجاور تعايشي، مثل الصين المعاصرة وروسيا بوتين أو مصر ما بعد جمال عبد الناصر أو سوريا ما بعد 16 تشرين الثاني 1970.
(اقتصاد السوق) ليس ردة أو انحراف عن (رأسمالية الدولة) بل استمرارية سياقية له كنظام اقتصادي- اجتماعي، وإن كان لا يتطابق معه سياسياً وثقافياً بالمعنى الأيديولوجي، مع ملاحظة أن بعض التجارب المذكورة تختار أن تحافظ على القشرة الأيديولوجية القديمة لنظام (رأسمالية الدولة)، كما في سوريا المعاصرة، أو تتجه إلى تسويغ الخيارات الجديدة مثل التسويغ الصيني منذ 1987 لقيادة الحزب الشيوعي للعملية الرأسمالية بأن هذا ما وصفه كارل ماركس لألمانيا المتخلفة في “البيان الشيوعي”، أي أن يتحالف الشيوعيون مع الليبراليين من أجل إنهاء العلاقات الماقبل رأسمالية عبر ثورة بورجوازية ألمانية، فيما قال ماركس بأن انكلترا وفرنسا قد أنجزتا الثورة البورجوازية وبالتالي يجب أن يسعى الشيوعيون فيهما إلى ثورة اشتراكية.
كان رأي ماركس المذكور مخالفاً لطريق لينين في ثورة أكتوبر 1917 عندما سعى لينين إلى ثورة اشتراكية في بلد تسود فيه العلاقات الاقتصادية-الاجتماعية الماقبل رأسمالية، وهو مافشل فيه الشيوعيون السوفيات طوال ثلاثة أرباع القرن.
في مصر ما بعد جمال عبد الناصر تم إنشاء نظام من (اقتصاد السوق) وتم تضييق مساحات (رأسمالية الدولة) إلى حد كبير، وإن ظلت السلطة السياسية،التي تتكون من دولة عميقة هيكلها العظمي هو المؤسسة العسكرية زائد الإدارة، هي الماسكة بمقود ضابط الايقاع للعملية الاقتصادية، ولكن انوجد في مصر السادات-مبارك-السيسي جنيناً يمكن بقفزة واحدة أن يتحول إلى (طبقة من أجل ذاتها)، وإن كان يلاحظ أن الرأسماليون المصريون كانوا مؤيدين لانقلاب السيسي على الإسلاميين في 3 يوليو 2013، ولكن يلاحظ أن هناك توازناً للقوى بين سلطة السيسي وبين الرأسماليين المصريين، يملك الأخيرون في هذا التوازن قوة مرموقة وإن كان الميزان لم يمل لكفتهم بعد.
في سوريا المعاصرة هناك وضع مختلف عن الوضع المصري. الراسمالية السورية الجديدة أتت من تحت خيمة السلطة السياسية المنبثقة عن نظام (رأسمالية الدولة)، وقد تمت ولادتها في تواريخ 1974 (نظام التعهدات) و 1991 (المرسوم 10) و 2004 (إنشاء المصارف الخاصة) وما بعد 18 آذار 2011 (اقتصاد الأزمة). معادلة أن (السلطة) تصنع (الثروة)، أو تنزعها وتلغيها، هي واضحة كثيراً في سوريا 1974-2021، والرأسمالي السوري يدرك ذلك لذلك يحاول أن لايتجاوز حدود المرسوم له في العملية الاقتصادية بالترافق مع إدراك عميق من قبله بأن السياسة هي خط أحمر أمامه.
وبالتأكيد كان درس رياض سيف بليغاً في عام 2001، وقد تم استيعابه بعمق من قبل الرأسماليين السوريين، عندما حاول رأسمالي صناعي سوري أن يدخل في السياسة ومن موقع معارض، ولتضعه السلطة في السجن بعد أن قامت بالتضييق الاقتصادي عليه.
في سوريا المعاصرة يوجد رأسماليون، ولكن لم توجد بعد طبقة بورجوازية تكون (طبقة من أجل ذاتها) بالترافق مع وعي طبقي خاص يتمظهر في مجالات السياسة والثقافة والاجتماع والرؤية للدستور والنظام التشريعي، بل ما زال الرأسماليون السوريون المعاصرون يفضلون فصل الاقتصاد عن السياسة والمجالات الأخرى والركوب في احدى عربات القطار الذي تقوده مقطورة السلطة السياسية لنظام (رأسمالية الدولة).
افتتاحية العدد ٥٥ من جريدة المسار
الصورة من موقع عنب بلدي