يقوم الموالون للسلطة السورية الآن بتصويب سهام النقد والهجوم على رئيس الوزراء ووزيري التموين والكهرباء ويحملون الثلاثة مسؤولية التدهور المتسارع للاقتصاد السوري الذي أدى إلى إفقار 80% من الشعب السوري من دون أن يصوبوا على الطابق الأعلى في السلطة السورية وهؤلاء الموالون يعتقدون بأن الأزمة الاقتصادية سببها “الفساد” و “سوء الادارة” ولا يؤمنون بأن هناك أسباب رئيسية للأزمة تتعلق بالبنية السياسية للسلطة ولا بالتحالف الطبقي الموجود في السلطة السورية طوال نصف قرن مضى من الزمن بين أصحاب القرار السياسي-الاقتصادي في السلطة وبين فئة رجال الأعمال والصناعيين والتجار الذين أصبحوا بالسنوات الأخيرة طبقة رأسمالية واضحة المعالم.
بالمقابل هناك شيوعيون من أحزاب “الجبهة” الموالية للسلطة يشتركون مع الموالين للسلطة في ذلك الاعتقاد الذين كان يجعلهم يركزون سهام النقد في فترة 2004-2010 على نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبدالله الدردري ويعتبروه الأب الشرعي للسياسات الليبرالية الاقتصادية التي انتهجتها السلطة وكانوا يتناسون عمداً بأن مؤتمر حزب البعث المنعقد عام 2005 هو الأب الشرعي لتلك السياسات.
هؤلاء الشيوعيون يرون بأن النضال المطلبي الاقتصادي هو جوهر برنامجهم السياسي-الاقتصادي-الاجتماعي، ولا يرون بأن تغيير الأوضاع السياسية السورية القائمة بشكل جذري هو المدخل إلى التغيير الاقتصادي-الاجتماعي، وهو ما يشاركهم به أيضاً موالو السلطة السورية الذين الكثير منهم قد اكتوى بنار الأزمة الاقتصادية.
نحن في الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) كان رأينا ومنذ المؤتمر الخامس للحزب المنعقد في كانون أول 1978 وعبر وثيقة “موضوعات الوضع الداخلي” بأن (نظام رأسمالية الدولة) الذي انبنى بعد 8 آذار 1963 قد كان مدخله انقلاب عسكري أدى لتولي الجيش للسلطة السياسية وأنه من خلال هذا الباب تم تحويل وتغيير البنية الاقتصادية-الاجتماعية-الثقافية السورية ومحو البنية القديمة للسلطة السورية التي كانت في الأربعينيات والخمسينيات وأوائل الستينيات ومعها بنيتها الاقتصادية-الاجتماعية-الثقافية.
لذلك، طرحت تلك الوثيقة (الديموقراطية السياسية) كمدخل إلى تغيير الأوضاع السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية-الثقافية لبلدنا وكان حزبنا بعام 1978 أول حزب سوري معارض يطرح (الديموقراطية السياسية) في مرحلة ما بعد 8 آذار 1963، وحزبنا منذ عام 1978 تنبأ بأن نظام رأسمالية الدولة هو مرحلة انتقالية نحو الليبرالية الاقتصادية التي بدأت عام 1991 مع المرسوم 10 ثم تعمقت بعامي 2004 و 2005 قبل أن تتبلور بشكل واضح المعالم في فترة الأزمة السورية 2011-2021 التي أتاحت تراكماً رأسمالياً كثيفاً من خلال (اقتصاد الأزمة) وعبر النهب والتعفيش وتجارة التهريب وهو ما جعل المجتمع السوري في حالة انقسام طبقي حاد لم يشهد مثيلاً له منذ استقلال البلاد عن فرنسا في عام 1946.
يمكن أن تكون، وهي كذلك بالتأكيد الدراسات التي تشرح الوضع الاقتصادي-الاجتماعي في مرحلة (الاستبداد السياسي) مفيدة من أجل تشريح الأوضاع القائمة ولتبيان التنضد الطبقي في المجتمع ولكنها لن تكون ذات فائدة أو تصيب الهدف إن لم يربط الوضع الاقتصادي ببنية السلطة السياسية، وإن لم يشر فيها أويتم ربط معطياتها الاقتصادية مع تلك البنية للسلطة السياسية وتحالفاتها الطبقية.
فنحن نعتقد بأن (السياسة) هي المدخل إلى تغيير (الاقتصاد) و (الاجتماع) و (الثقافة)، ولا نؤمن بأن النضال المطلبي الاقتصادي مجدياً في مرحلة تسود فيها أوضاع من الاستبداد السياسي بل نؤمن بأن تغيير الأوضاع نحو الانتقال من (الاستبداد) إلى (الديموقراطية السياسية) هو ما يفتح أرضية خصبة لبدء النضال المطلبي الاقتصادي ويجعله منتجاً ومثمراً لصالح الطبقات والفئات الفقيرة في المجتمع الذي ستخوض وقتها نضالاً طبقياً يكون مربوطاً بتخندقها في موقع سياسي يكون في حالة اندماج عضوي مع نضالها المطلبي الاقتصادي.