عبدالله العروي
من الزاوية الاقتصادية، تناضل الدولة القومية، ضد الاستثمار الامبريالي، لكنها لا تزيله. وكانت الدولة الليبرالية تقبله على أنه قدر محتوم، وبسبب هذه النزعة الحتمية الانهزامية، كانت تلك الدولة تستسلم للنهب دون رد فعل، وتعطي الامبريالية عائدات أرباح قصوى أسطورية. وتكافح الدولة القومية بجميع قواها، بواسطة التأميمات، وجعل التجارة الخارجية قطاعا عاما تابعا للدولة، وإلغاء الوسطاء، وبواسطة التصنيع ومكننة الزراعة وتسوية الأسعار العالمية، لأجل وقف هذا النهب، ولكن الحركة الحرة للعرض والطلب في السوق العالمية توقف دائما كفاح هذه الدولة عن بلوغ أغراضه القصوى. إنها، أي الدولة القومية، دولة يذكَرها اقتصادها في كل لحظة بوضعا القاصر، وهذا التذكير، التي أصبحت قادرة على ادراكه، يدفعها بالضبط نحو التقدم المستمر.
من الوجهة السياسيةـالاجتماعية، فإن التمايز والاستثمار الطبقي لا يكفيان لتحديد خصائص تلك الدولة القومية، ولا وضعها الوسيط بين دولة رأسمالية حرة ودولة اشتراكية مبرمجة. ويبدو أن أوسع تعريف للدولة القومية هو هذا: إنها دولة آخذة بالتبرجُز، مع جميع ما يستلزم ذلك من خصائص اجتماعية وثقافية، لكن تلك العملية تجري تحت قيادة فئة اجتماعية غير البورجوازية. وهذا التعريف ينزع بالنتيجة من تلك الدولة طابعها ظاهرة خاصة بالبلدان المتخلفة، اليوم، وقد سبق أن شوهدت في الماضي، وحتى في أوروبا.
بيد أن التعريف السابق، يبدو انه الأكثر مطابقة، على المستوى الثقافي. إن الدولة القومية تفرض ثقافة بورجوازية، عقلانية النزعة ونازعة إلى الكونية على مجتمع لم يلد هذه الثقافة بتطور داخلي. وعملية التبرجز هنا عامة. سريعة، وأكثر مباشرة، لدى مقارنتها مع تلك العملية التي تجري في الدولة الليبرالية، على نحو بطيء، وتجزيئي، ولأجل إلقاء الضوء على هذا الدور التاريخي النشيط جرى تفضيل كلمة “الدولة” على كلمة مجتمع، واكثر من ذلك أيضا، على كلمة ديمقراطية التي تُدخل صيغة سياسية تقييمية.