محمد سيد رصاص
نورث برس ٢ أيار ٢٠٢١
يثير الرئيس الأميركي جو بايدن الكثير من الغضب لدى حلفاء واشنطن في تل أبيب والرياض وأبو ظبي من خلال مضيه في طريق الاتفاق مع إيران غير ملتفتاً لاعتراضات أولئك الحلفاء وقد وصلت الحالة لدى الاسرائيليين لمحاولة تخريب المفاوضات الجارية في فيينا من خلال الهجوم السيبراني على مفاعل ناطنز والذي اختار الاسرائيليون توقيته أثناء زيارة وزير الدفاع الأميركي للدولة العبرية. هناك اعتراضات كثيرة في الكونغرس الأميركي على الاتفاق مع إيران وهذا لا يشمل الجمهوريين فقط بل يشمل أعضاء في الحزب الديمقراطي.
هنا قد يثير الحيرة اتفاق 2015 الذي عقده الرئيس الأميركي باراك أوباما مع طهران والذي قضى بتجميد وتفكيك عمليين للبرنامج النووي الايراني بالترافق مع اغماض العين الأميركية عن تمدد طهران في اقليم الشرق الأوسط، تماماً كما أثيرت الكثير من الأسئلة عن غض بصر واشنطن عن وقوع العراق المغزو والمحتل أميركياً بيدي الايرانيين، وليس صحيحاً ما قيل عن أن الأمريكان هم “محتل فاشل لا يعرف اليوم التالي السياسي لفعل الاحتلال العسكري”. صحيح أن واشنطن قد فرضت عقوبات اقتصادية قاسية على طهران منذ عام2005مع بدء طهران في برنامج تخصيب اليورانيوم ولكن كان الهدف هو الوصول لاتفاق مع إيران حول البرنامج النووي الايراني وليس حول سياساتها في الإقليم بما فيها العراق، وإن كان من الدقة القول بأن انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام2018من الاتفاق مع الايرانيين كان هدفه إعادة الاتفاق مع طهران ضمن سلة تشمل البرنامج النووي الايراني وسلاح طهران الصاروخي وسياسات إيران في الاقليم.
على هذا الصعيد تبدو تفاوضات بايدن، التي مازالت غير مباشرة مع الإيرانيين في العاصمة النمساوية فيينا، هي أقرب إلى توجهات أوباما من قربها مما طرحه ترامب، حتى مع تلويح مسؤولي إدارة بايدن بأن المفاوضات يمكن أن تشمل سلة ترامب الثلاثية المحتوى ولكن مجرى المفاوضات في فيينا يوحي بالتركيز على شروط أميركية لا تشمل ما طرحه ترامب لعودة واشنطن للاتفاق في مقابل طلب ايراني برفع عقوبات ترامب كشرط لعودة طهران عن خروقاتها لاتفاق 2015 لا أكثر.
هنا يجب إعادة فحص الأمور، فتلاقيات واشنطن مع طهران تجاه عراق 2003-2005، وتلاقيات أوباما مع الإيرانيين في اتفاق 2015، واصرار بايدن على العودة لذلك الاتفاق توحي ثلاثتها بأن هناك استراتيجية أميركية للتلاقي مع الايرانيين يجب محاولة مقاربتها المعرفية. على الأرجح أن الهم الصيني عند الأمريكان الموجود منذ التسعينيات عندما تم وضع بكين كتحدي رئيسي للقطب الأميركي الأوحد للعالم في مرحلة ما بعد هزيمة السوفيات في الحرب الباردة هو وراء تلك المحاولات الأميركية للتلاقي مع طهران، فإيران يمكن أن تسد طريق الصين إلى الشرق الأوسط هي وأفغانستان وليس صدفة أن يبدأ التعاون الأميركي-الايراني أثناء الغزو الأميركي لأفغانستان بعد أربعة أسابيع من 11 سبتمبر 2001 ثم يثنى هذا التعاون في عراق 2003.
أيضاً، إيران، إن تم كسبها أميركياً، هي ستكون المانع من تشكيل ثالوث بكين – موسكو-طهران الذي يخشاه الأمريكان كثيراً وهي ستكون المانع أمام تشكيل خماسي بكين-موسكو-طهران – اسلام آباد-أنقرة الذي يمكن إن تشكل أن يجعل القطب الأميركي الأوحد للعالم في حكم المنتهي. طهران هي بيضة القبان الذي يمنع أو يجعل ذلك الثلاثي أو الخماسي ممكن الحدوث. بالمناسبة هناك إشارات من طهران عن أن متشددي السلطة الايرانية لم يعودوا ميالين بخلاف الاصلاحيين بزعامة حسن روحاني وجواد ظريف إلى الاتفاق مع واشنطن ،بل يفضلون المضي قدماً نحو الشرق بالترافق ربما (رغم فتوى السيد علي الخامنئي بتحريم امتلاك السلاح النووي) مع الاتجاه إلى تكرار السيناريو الكوري الشمالي عندما استفاق العالم ذات صباح عن تجربة نووية أعلنت امتلاك بيونغ يانغ للسلاح النووي، وهم يخشون من أن الاتفاق الايراني-الأميركي ستكون له ترجمات ايرانية تجعل الاصلاحيين راجحي الكفة في السلطة وفي المجتمع وهم يقرأون بالتأكيد التجربة الأميركية مع الاتحاد السوفياتي عندما كان الوفاق الدولي بين عملاقي عالم الحرب الباردة بالسبعينيات مساعداً على نمو اتجاهات سياسية- اقتصادية- ثقافية في المجتمع السوفياتي أصبحت بالتدريج على تصادم مع (الحزب الواحد) و (رأسمالية الدولة) لصالح (الديموقراطية السياسية) و (اقتصاد السوق) حتى تم حسم الأمور في فترة 1985- 1991 عندما قامت البنية المجتمعية السوفياتية بتكنيس البنية الدولتية.
ربما هناك أهداف أميركية أخرى من التلاقي مع طهران منها ابعاد ايران عن الروس بل جعل طهران متصادمة مع موسكو في الشرق الأوسط وفي منطقة القفقاس وفي منطقة آسية الوسطى .بالتأكيد لا يخفى على الأمريكان بأن تمدد ايران في اقليم الشرق الأوسط الذي بدأ من العراق المغزو والمحتل أميركياً قد أثار توتراً سنياً- شيعياً في عموم العالم الاسلامي هو غير مسبوق سوى في فترة الصدام العثماني- الصفوي الذي بدأ في معركة جالديران عام 1514 واستمر لأكثر من قرن من الزمن وبأن هذا التوتر قد استفادت منه واشنطن كثيراً من حيث زيادة ارتماء دول الخليج في الحضن الأميركي هذا إذا لم نقل بأن هذا التوتر الناتج عن ذلك التمدد الإيراني قد دفع دول خليجية معينة للتقارب مع اسرائيل،وهذا أمر لم يخفه مسؤولون إماراتيون وبحرينيون في الصيف الماضي أثناء عملية تطبيع علاقاتهما مع تل أبيب. ويعرف الأمريكان بأن هذا التوتر سيزداد في حال عادت واشنطن للتلاقي مع الايرانيين.
هنا تبقى المفاوضات في فيينا مفصلية من حيث رسم مستقبل اقليم الشرق الأوسط وهي سترسم هذا المستقبل إن نجحت وهي سترسمه أيضاً إن فشلت.