دروس فلسطينية

تشير الحرب الاسرائيلية الأخيرة على فلسطين والفلسطينيين إلى حقائق عدة:

من أولها أن القضية الفلسطينية مازالت حية وقوية في وجدان الشارع العربي، وأن أحد مظاهر الوحدة العربية في زمن التجزئة هذا هو الموقف العربي الجماهيري تجاه القضية الفلسطينية الذي يملك غالبية كاسحة في الشارع العربي.

ثانيها أن التطبيع الرسمي العربي الذي بدأ مع السادات ورأينا آخر مظاهره مع محمد بن زايد لم يكن أكثر من رغوة صابون هو لا يمثل جسم المجتمع العربي وهو أمر لمسه السواح الإسرائيليون في مصر والأردن عندما رفض المواطن العادي التعامل معهم في تعاكس مع ما فعله السادات والملك حسين. وهو ما يقلق الاسرائيليون كثيرا من حيث أن التطبيع وقبول دولة اسرائيل في المنطقة لا يأتي من الحكام العرب بل من سائق التاكسي وعامل المقهى وبائع السندويش في شوارع المدن العربية وهو ما دفع شارون عام 2005 إلى بناء “السور الواقي” كتعبير عن أن اسرائيل ليست جزءاً من المنطقة بل هي في وضعية “القلعة المحاصرة والمنعزلة “عن المحيط،وفي التعبير عن نزعة عنصرية عند الصهاينة.

ثالثها اتفاق أوسلو قد انتهى وشبع موتا وأن الصراع لن يستطيع أن يحله ذلك الاتفاق.

رابعها الصراع مع اسرائيل ليس صراعاً حدودياً بل صراعاً وجودياً، وهذا لا يشمل فقط الفلسطينيون والاسرائيليون بل يشمل أيضاً الاسرائيليون والعرب.

خامسها أن فلسطينيو ال 48 قد أثبتوا في الأيام الأخيرة أنهم فلسطينيون وليسوا اسرائيليون، وقد تكلمت هذا شوارع اللد والرملة ويافا وحيفا. هذا يطرح مستقبل دولة اسرائيل على بساط البحث الجدي مادام فلسطينيو ال 48 هم حوالي ربع سكان دولة إسرائيل.

سادسها يلمس في الصحف الاسرائيلية تساؤلات جدية حول مستقبل دولة اسرائيل التي يقترب عمرها من ثلاثة أرباع القرن التي لا تستطيع أن تكون دولة طبيعية يشعر كل مواطنيها بأنهم منتمون لها، ويشعر الكثير من مواطنيها بأنهم في “قلعة محاصرة “من محيط معاد، كما يشعر هؤلاء بأن دولة شبيهة بدولة الفصل العنصري (الأبارتهايد) لا مستقبل لها، وتجربة دولة الفصل العنصري في جنوب افريقيا تظهر المصير المحتوم لدولة كهذه.

السؤال الآن: كم من الاسرائيليين يتملكهم الاحساس بالندم على تلبية وعد بلفور وبأن ما قام به وزير الخارجية البريطانية في 2 تشرين ثاني 1917 عبر إصدار هذا الوعد هو أقرب إلى ورطة ليهود العالم وحفر حفرة وقع بها هؤلاء اليهود وهي حفرة يزداد عمقها كلما ازداد عمر دولة اسرائيل؟


افتتاحية العدد ٥٢ من جريدة المسار