حوار مهم مع رفاقنا النقابيين

ليون تروتسكي

٢٣ آذار/مارس ١٩٢٣

ترجمة رامز مكرم باكير

عثرت على هذا المقال القيم في كتاب الماركسية والأناركية، والذي يحتوي على مقالات ومخطوطات قيمة لإنجلز وتروتسكي ولينين، وأيضاً مقالات للرفيق آلان وودز، الطبعة الصادرة في نيسان/ابريل من عام ٢٠١٥، من دار نشر (Wellred books) بعنوان، حوار مهم مع رفاقنا النقابيين، ليون تروتسكي ص٢٠٣-ص٢٠٧.

                                                    ——————-

(كُتب هذا المقال في يوم ٢٣ آذار/مارس من عام ١٩٢٣، ردا على الرفيق لوزون، بعد المؤتمر العالمي الرابع للأممية الشيوعية. في ذلك الوقت، كان هناك مزيد من الاهتمام بالنضال ضد اليمين الاشتراكي. في هذا النضال كانت الجهود الشيوعية ولا تزال متحدة مع مذاهب النقابيين، وفضلت تأجيل نشر هذا المقال. نحن مقتنعون تمامًا بأن تضامننا ووعينا بمطالب النقابيون الثوريون لن يموت أبدًا. لقد كان يومًا رائعًا بالنسبة لنا عندما دخل صديقنا القديم مونات إلى الحزب الشيوعي. تحتاج الثورة إلى أناس من هذا النوع. ولكن سيكون من الخطأ دفع ثمن هذا التقارب بخلط الأفكار. وفي الأشهر الأخيرة، تم تطهير الحزب الشيوعي الفرنسي وتوطيده؛ وقد حان الوقت الان للدخول في نقاش هادئ وودي مع رفاقنا النقابيين، حيث بجانبهم ويداً بيد سيكون لدينا الكثير من الأعمال التي يتعين علينا القيام بها والعديد من المعارك التي يجب ان نخوضها.  – ملاحظة تر وتسكي] 

في سلسلة من المقالات والتفسيرات الشخصية، طرح الرفيق لوزون وجهات نظر حول المسائل الرئيسية للعلاقات بين الحزب والنقابة والتي تختلف اختلافاً جذريًا عن آراء الأممية الشيوعية وعن الماركسية.  إن الرفاق الفرنسيين الذين اعتدت أن أحترم آرائهم، يتحدثون بتقدير كبير عن الرفيق لوزون وتفانيه في خدمة البروليتاريا.  ولذلك، من الضروري للغاية تصحيح الأخطاء التي ارتكبها في مثل هذه المسالة المهمة.  

الرفيق لوزون يدافع عن الاستقلال التام وغير المشروط للنقابات العمالية.  

ضد ماذا؟ من الواضح ضد هجمات معينة. 

ومن من؟ من الهجمات المنسوبة للحزب. استقلالية النقابات العمالية هي ضرورة لا جدال فيها، ولكن قام لوزون بمنحها أهمية مطلقة ومقدسة. ورفيقنا هنا يقتبس من ماركس، بشكل خاطئ تمامًا.  يقول لوزون، إن النقابات العمالية تمثل “الطبقة العاملة ككل. ومع ذلك، فإن الحزب ليس سوى حزب. ولا يمكن إخضاع الطبقة العاملة ككل للحزب. ولا يوجد حتى مجال للمساواة بينهم. وإن الطبقة العاملة لها اهدفها المستقلة عن الحزب”.

إن التمثيل المتبادل للأممية الشيوعية والاتحادات العمالية الحمراء والذي كان قائماً حتى آخر مؤتمر في موسكو بحسب لوزون، يجسد مساواة فعلية بين الحزب والطبقة. وقد تم إلغاء هذا التمثيل المتبادل. وبذلك يستأنف الحزب دوره كمجرد خادم او تابع مرة أخرى. الرفيق لوزون يوافق على هذا. ووفقًا له، كانت هذه أيضًا وجهة نظر ماركس. 

ان نهاية التمثيل المتبادل بين الأممية السياسية والنقابية في بعضها البعض، بالنسبة للوزون هنا تكمن بالعودة إلى مبادئ الماركسية. هذا هو جوهر المقال الذي ظهر في La Vie Ouvrie ef في يوم ١٥ تشرين الأول\ديسمبر. 

الشيء الأكثر إثارة للدهشة في هذا وغيره هو أن الكاتب من الواضح، وبكامل وعيه وحزمه، يغلق عينيه على ما يحدث بالفعل في فرنسا.  وإلا فكيف يمكن فهم اصراره على تمثيل النقابات العمالية للطبقة العاملة ككل؟  عن أي بلد يتحدث لوزون؟  إذا كان يقصد فرنسا، فإن النقابات العمالية هناك، على حد علمنا، لا تشمل للأسف حتى نصف الطبقة العاملة.  وقد أدت المناورات الإجرامية للنقابيين الإصلاحيين، المدعومة يسارياً من قبل بعض الفوضويين الاناركيين، إلى انقسام المنظمة النقابية الفرنسية.  لا يضم أي من الاتحادين النقابيين أكثر من ٣٠٠.٠٠٠ عامل.  ولا يحق لهم، سواء منفردين أو مجتمعين، ان يعرّفو أنفسهم على انهم يمثلون كل البروليتاريا الفرنسية والتي يشكلون جزءًا متواضعًا منها. علاوة على ذلك، تتبع كل منظمة نقابية سياسات واجندات مختلفة.  

فمثلاً يعمل الاتحاد النقابي الإصلاحي ” [Conféderation Générale du Travail (CGT) بالتعاون مع البرجوازية، ويعمل الاتحاد العام الموحد للعمل [Conféderation Générale du Travail Unitaire (CGTU)] وفق تنظيم ثوري الى حد كبير.

ولكن ما الذي يقصده بتأكيده على أن الطبقة العاملة، التي يعتبرها بوضوح مرادفة للتنظيمات النقابية، بقوله انها “تحمل هدفها الخاص في ذاتها؟”، وبمساعدة من؟ وكيف تعبر الطبقة العاملة الفرنسية عن هذه الأهداف؟ بمساعدة منظمة جوهاوكس؟  بالتأكيد لا.  بمساعدة “CGTU”؟  لقد قدمت “CGTU”بالفعل خدمات رائعة.  لكن لسوء الحظ هي ليست الطبقة العاملة بأكملها بعد.  من يمثل مصالح الطبقة العاملة أفضل تمثيل؟  ومن يحكم على عملها؟  إذا حاولنا الآن، وبمساعدة التجربة الأممية لحزبنا، الإجابة على هذا السؤال، فعندئذٍ وبرأي لوزون. فأننا نرتكب خطيئة اخلاق مميتة، فقط لأننا نطالب بأن يحكم الحزب على السياسة الأكثر نفعاً لمصلحة الطبقة العاملة.  أي أننا نضع الحزب فوق الطبقة العاملة.  لكن إذا لجأنا إلى الطبقة العاملة ككل، فسنجدها للأسف مقسمة وعاجزة، ومكتومة الفم.  وكونه هناك فصائل مختلفة من الطبقات المنظمة في الاتحادات مختلفة، وحتى نقابات مختلفة في نفس الاتحادات، وحتى المجموعات المختلفة في نفس القطاعات، فهذا حتماً سيؤدي الى ردود افعال مختلفة.  لكن الأغلبية الساحقة من البروليتاريا، التي تقف خارج الاتحاديات النقابية، لن تقدم لنا، في الوقت الحاضر، أي رد على الإطلاق.  لا توجد دولة تحتضن ضمنها المنظمات النقابية الطبقة العاملة بأكملها.  لكن في بعض البلدان تضم على الأقل قسمًا كبيرًا جدًا من العمال.  لكن هذا ليس هو الحال في فرنسا.  

إذا كان على الحزب، كما يعتقد لوزون، ألا “يضم” الطبقة العاملة (ما الذي يُفترض أن يعنيه هذا المصطلح في الواقع؟)، ولماذا يعطي الرفيق لوزون هذا الحق للنقابيين؟  قد يجيب: “تنظيمنا النقابي لا يزال ضعيفًا.  لكننا لا نشك في مستقبله ونصره النهائي. ” لذلك يجب أن نجيب على هذا:” بالتأكيد؛ نحن أيضًا نشارككم هذه القناعة. ولكن ليس لدينا سوى القليل من الشك في أن الحزب أيضًا سيفوز بالثقة غير المشروطة للغالبية العظمى من الطبقة العاملة “.  ليس للحزب ولا للنقابات حق “ضم” البروليتاريا -فمن الخطأ أن يستخدم لوزون المصطلحات التي يستخدمها خصومنا عادة في كفاحهم ضد الثورة -إنها مسألة كسب ثقة الطبقة العاملة. ومن الممكن فقط القيام بذلك بالتكتيكات والاستراتيجيات الصحيحة، التي تم اختبارها بالتجربة. أين ومن الذي سيخطط لهذه التكتيكات بوعي وحذر وبصورة نقدية؟ ومن سيقترحها على الطبقة العاملة؟ بالتأكيد لن تسقط من السماء والطبقة العاملة ككل، “كشيء بحد ذاته”، لن تعلمنا هذه التكتيكات أيضًا.  يبدو لنا أن الرفيق لوزون لم يواجه او يحاول الرد على هذا السؤال.  إن للبروليتاريا هدفها داخل نفسها. “إذا جردنا هذه الجملة من الزخارف العظيمة، فإن معناها الواضح هو أن المهام التاريخية للبروليتاريا يحددها وضعها الاجتماعي كطبقة ودورها في الإنتاج، وفي المجتمع، وفي الدولة. هذا أمر لا جدال فيه. لكن هذه الحقيقة لا تساعدنا في الإجابة على السؤال الذي يهمنا، وهو: كيف يمكن للبروليتاريا أن تصل إلى نظرة ذاتية للمهمة التاريخية من خلال موقعها الموضوعي؟ هل كانت البروليتاريا هي نفسها ككل قادر على فهم مهمته التاريخية على الفور، هي لن تحتاج إلى أن يولد حزب ولا نقابات، هي تحتاج الى ثورة بروليتارية. 

ولكن واقعياً، فإن هؤلاء التي ستكتسب البروليتاريا من خلالهم نظرتها الثاقبة لمهمتها التاريخية والطويلة جدًا والمؤلمة جداً، والمليئة بالتناقضات الداخلية، والمحاكمات الشديدة، والخبرة الواسعة، فإن تلك البصيرة والأساليب الصحيحة ستنبثق في عقول ووجدان أفضل من في هذه الطبقة العاملة، طليعة الجماهير. وهذا ينطبق بالتساوي على الحزب والنقابات.  

تبدأ النقابة دائماً كمجموعة صغيرة من العمال الناشطين وتنمو تدريجيًا خبرتهم باكتساب ثقة الجماهير.  لكن بينما تكافح المنظمات الثورية من أجل كسب النفوذ في الطبقة العاملة، ودائماً ما نجد الأيديولوجيين البرجوازيين يعارضون.

يعارض الأيديولوجيون البرجوازيون الطبقة العاملة عند طرحها كموضوع للذات الواعية للطبقة العاملة. لأنه فقط من خلال الأقلية الواعية للطبقة العاملة تصبح الطبقة العاملة بالتدريج عاملا فاعلا في التاريخ. وهكذا نرى أن النقد الذي وجهه الرفيق لوزون ضد “الادعاءات غير المبررة” للحزب ينطبق بنفس القدر على “الادعاءات غير المبررة” للنقابات العمالية خصوصاً في فرنسا. 

بالنسبة للنقابات الفرنسية -كانت ولا تزال، في تنظيماتها ونظريتها، أحزاباً أيضًا. وهذا أيضًا سبب قوتها الجماهيرية. خلال فترته الكلاسيكية (١٩٠٥-١٩٠٧)، وبحسب نظرية “الأقلية النشطة”، وليس في نظرية “البروليتاريا الجماعية”. فماذا يمكن أن تكون هذه الأقلية فاعلة، المتماسكة بوحدة أفكارها، إن لم تكن حزباً؟  ومن ناحية أخرى، ألن تكون المنظمة النقابية الجماهيرية، التي لا تحتوي على أقلية نشطة واعية طبقيًا، منظمة رسمية بحتة ولا معنى لها؟  تأكدت حقيقة أن الحركة النقابية الفرنسية كانت حزبا من خلال الانقسام الذي حدث بمجرد ظهور الخلافات في وجهات النظر السياسية في صفوفها.  لكن النقابية الثورية دائماً تخشى النفور الذي تشعر به الطبقة العاملة الفرنسية من الأحزاب في حد ذاتها.  لذلك لم تتخذ اسم الحزب، وظلت غير مكتملة من حيث التنظيم.  إنه حزب حاول دمج أعضائه في عضوية النقابات العمالية، أو على الأقل الاحتماء وراء النقابات العمالية.  وهكذا فإن الخضوع الفعلي للنقابات العمالية لبعض الميول والفصائل وحتى الجماعات النقابية يتم تفسيره.  وهذا أيضًا تفسير “الميثاق”، وهو رسم كاريكاتوري ماسوني لحزب داخل حضن المنظمة النقابية.  والعكس صحيح. 

لقد كافحت الأممية الشيوعية بأقصى قدر من الحزم كل اشكال الانقسام في الحركة النقابية في فرنسا، وتحولها الفعلي إلى أحزاب نقابية.  كان الاعتبار الرئيسي للأممية الشيوعية هو المهمة التاريخية للطبقة العاملة ككل، والأهمية المستقلة الهائلة للمنظمة النقابية في حل مشاكل البروليتاريا.  في هذا الصدد، ودافعت الأممية الشيوعية منذ بدايتها عن الاستقلال الحقيقي والحي للنقابات بروحها الماركسية.  ان نظرية “الأقلية النشطة” من الحزب، قبل أن تصبح حزباً بشكل علني.  هي التي ستجعل النقابات العمالية من أن تصبح، منظمة وممثلة للطبقة العاملة بأكملها (وهو أمر غير ممكن في نظام رأسمالي)، او على الأقل على مستوى الجماهير العريضة.  

لا يجب على الشيوعيين ان يخافون من كلمة “حزب”، لأن حزبهم ليس لديه أي شيء مشترك، ولن يكون له أي شيء مشترك، مع الأحزاب الأخرى.  حزبهم ليس واحداً من الأحزاب السياسية في النظام البرجوازي للدولة.  إنها الأقلية النشطة الواعية طبقياً من البروليتاريين، بل انها طليعتهم الثورية.  ومن ثم فإن الشيوعيين ليس لديهم سبب، سواء في أيديولوجيتهم أو تنظيمهم، للاختباء وراء النقابات العمالية.  إنهم لا يسيئون استخدام النقابات العمالية ويكيدون المكائد لها.  إنهم لا يقسمون النقابات العمالية عندما يكونون أقلية فيها.  إنهم لا يزعجون بأي شكل من الأشكال التطور المستقل للنقابات العمالية، وهم يدعمون النضال النقابي بكل قوتهم.  لكن في الوقت نفسه، يحتفظ الحزب الشيوعي بالحق في إبداء رأيه في جميع المسائل في حركة الطبقة العاملة بما في ذلك المسألة النقابية، وانتقاد التكتيكات النقابية، وتقديم مقترحات محددة إلى النقابات العمالية، والتي يبقى لجزء منها الحرية في قبول أو رفض هذه المقترحات. كما ان الحزب سعى دائماً إلى كسب ثقة الطبقة العاملة.  

ما معنى اقتباسات ماركس للرفيق لوزون؟  إنها حقيقة أن ماركس كتب عام ١٨٦٨ أن حزب العمال سيخرج من النقابة.  عندما كتب هذا كان يفكر بشكل أساسي في بريطانيا، في ذلك الوقت كانت بريطانيا الدولة الرأسمالية المتقدمة الوحيدة التي تمتلك بالفعل منظمات عمالية واسعة النطاق.  نصف قرن مضى منذ ذلك الحين.  وأكدت التجربة التاريخية بشكل عام صدق نبوءات ماركس فيما يتعلق ببريطانيا.  لقد تم بالفعل بناء حزب العمال البريطاني على أساس النقابات العمالية.  ولكن هل يعتقد الرفيق لوزون حقًا أن حزب العمال البريطاني، كما هو الحال اليوم، بقيادة هندرسون وكلينز، يمكن اعتباره ممثلًا لمصالح البروليتاريا ككل؟  بالتأكيد لا.  يخون حزب العمال في بريطانيا العظمى قضية البروليتاريا مثلما تخونها بيروقراطية النقابات العمالية، على الرغم من أن النقابات في بريطانيا تقترب من ضم الطبقة العاملة ككل أكثر من أي مكان آخر.  ومن ناحية أخرى، لا يسعنا إلا أن نشك في أن نفوذنا الشيوعي سوف ينمو في حزب العمال البريطاني، وأن هذا سيساهم في زيادة حدة الخلاف بين الجماهير والقادة داخل النقابات العمالية حتى البيروقراطيين الخونة منهم.  وسيتم تحويل حزب العمل وتجديده بالكامل.  ونحن، مثل الرفيق لوزون، ننتمي إلى أممية تضم الحزب الشيوعي البريطاني الصغير، لكنها تحارب الأممية الثانية المدعومة من حزب العمال البريطاني الذي كان في الأصل قد نشأ من رحم النقابات العمالية.

في روسيا -وفي قانون التطور الرأسمالي، روسيا هي مجرد نقيض لبريطانيا العظمى -الحزب الشيوعي، الحزب الاشتراكي الديمقراطي السابق، أقدم من النقابات العمالية، وأنشأ النقابات العمالية، اليوم، النقابات العمالية بل والدولة العمالية في روسيا بالكامل تخضع لتأثير الحزب الشيوعي الروسي، الذي لم يكن منشأه بأي حال من الأحوال من النقابات العمالية ولكنه، وعلى العكس من ذلك، هو الذي أنشأها ودربها.  هل سيؤكد الرفيق لوزون أن روسيا تطورت بما يتناقض مع الماركسية؟  أليس من الأسهل أن نقول إن حكم ماركس على أصل الحزب في النقابة أثبتت بالتجربة أنه كان صحيحًا بالنسبة لبريطانيا، وحتى أنه لم يكن صحيحًا بنسبة ١٠٠٪؜ في المائة، لكن لم يكن لدى ماركس أبدًا نية على الإطلاق في التصريح عن ذلك.  

ما وصفه هو نفسه مرة بازدراء بأنه “قانون فوق تاريخي”؟  تقف جميع دول أوروبا الأخرى، بما في ذلك فرنسا، بين بريطانيا العظمى وروسيا في هذه المسألة.  في بعض البلدان تكون النقابات العمالية أقدم من الحزب، وفي بلدان أخرى يكون العكس؛ ولكن لم يظهر حزب البروليتاريا من النقابات في أي مكان، باستثناء بريطانيا وجزئيا في بلجيكا.  على أي حال، لم يتطور أي حزب شيوعي بشكل عضوي من النقابات العمالية.  لكن هل نستنتج من هذا أن الأممية الشيوعية بأسرها مولودة غير شرعية؟  عندما دعمت النقابات العمالية البريطانية بالتناوب المحافظين والليبراليين ومثلت إلى حد ما ملحقًا عماليًا بهذه الأحزاب، عندما كان التنظيم السياسي للعمال الألمان ليس أكثر من جناح يساري للحزب الديمقراطي، عندما كان أتباع لاسال وآيزناخ يتشاجران فيما بينهما -طالب ماركس باستقلال النقابات العمالية عن جميع الأحزاب.  حيث كانت هذه الصيغة التي تمليها الرغبة في مواجهة المنظمات العمالية لجميع الأحزاب البرجوازية، ومنع ارتباطها الوثيق بالفصائل الاشتراكية.  ولكن ربما يتذكر الرفيق لوزون أن ماركس هو من أسس الأممية الأولى أيضًا، والتي كان هدفها التحرك في جميع البلدان، ومن جميع النواحي، وجعلها مثمرة.  كان هذا هو دليل العمل في عام ١٨٦٤ وكانت الأممية التي أنشأها ماركس حزبًا.  رفض ماركس الانتظار حتى يشكل الحزب الدولي للطبقة العاملة نفسه بطريقة ما خارج النقابات العمالية.  لقد بذل قصارى جهده من أجل النقابات العمالية، حيث تم التعبير عن تأثير أفكار الاشتراكية العلمية لأول مرة في عام ١٨٤٧ في البيان الشيوعي.  عندما طالب ماركس بالنقابات بالاستقلال التام عن جميع الأحزاب والطوائف القائمة، أي عن جميع الأحزاب والطوائف البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، قام بتعزيزها داخل هذا الأمر من أجل تسهيل الاشتراكية العلمية للنفايات العمالية.  لم ير ماركس أبدًا في الأحزاب الاشتراكية العلمية احزاماً شبيهة بتلك الأحزاب السياسية الأخرى الموجودة (برلمانية، ديمقراطية، إلخ).  بالنسبة لماركس، كانت الأممية هي الطبقة العاملة ذات الوعي الطبقي، والتي كان يمثلها في ذلك الوقت طليعة لا تزال صغيرة جدًا.

إذا كان الرفيق لوزون منغمساً في ميتافيزيقيته النقابية وفي تفسيره وتأويلاته لكارل ماركس، فإنه حتماً سيقول، “دعونا نتخلى عن الحزب الشيوعي وننتظر حتى ينبثق هذا الحزب من النقابات”.  وسيكون هذا النوع من المنطق قاتلاً، ليس فقط للحزب ولكن للنقابة ايضاً.  وفي واقع الحال، لا يمكن للنقابات العمالية الفرنسية الحالية أن تستعيد وحدتها وتفوز بتأثير حاسم على الجماهير إذا شكلت ونظمت أفضل عناصرها في طليعة البروليتاريا الثورية ذات الوعي الطبقي، أي الحزب الشيوعي.  

لم يقدم كارل ماركس إجابة نهائية لمسألة العلاقات بين الحزب والنقابات، وبالفعل لم يستطع فعل ذلك.  فهذه العلاقة تعتمد على الظروف المتغيرة، فكل حالة لها ظرفه وخصوصيتها.  وسواء تم تمثيل كل من دي واي واتحاد النقابات العمالية بشكل متبادل في لجانهما المركزية، أو ما إذا كانا يشكلان لجان عمل مشتركة، هي ليست مسألة ذات أهمية حاسمة.  

قد تتغير أشكال التنظيم، لكن يبقى الدور الأساسي للحزب ثابتًا.  إن الحزب، إذا كان جديرًا بالاسم، يضم طليعة الطبقة العاملة بأكملها ويستخدم تأثيره الأيديولوجي لجعل كل فرع من فروع الحركة العمالية مثمرًا، وخاصة الحركة النقابية.  ولكن إذا كانت النقابات العمالية جديرة باسمها، فإنها ستضم ​​كتل من العمال، والعديد من العناصر المتخلفة بينهم.  لكنهم لا يستطيعون أداء مهمتهم إلا عندما يتم توجيههم بوعي إلى مبادئ راسخة.  ولا يمكنهم الحصول على هذه القيادة إلا عندما تتحد أفضل عناصرهم في الثورة البروليتارية.

الحزب: إن التطهير الأخير للحزب الشيوعي الفرنسي، والذي تخلص في ضربة واحدة من أنين البرجوازية الصغيرة، ومن أبطال الصالونات من السياسيين والوصوليين المقززين، ومن ناحية أخرى حفز التقارب بين الشيوعيين والنقابيين الثوريين، كخطوة كبيرة نحو إقامة علاقات مناسبة بين النقابات والمنظمات والتنظيم السياسي، وهو ما يجسد التقدم الكبير للثورة.

من العدد ٥٠ من جريدة المسار