المعارضة في عشر سنوات من الأزمة السورية

إذا قارنا بين البلدان الخمسة (تونس-مصر-اليمن-ليبيا-سوريا) التي انفجرت مجتمعاتها عبر “الربيع العربي “في عام 2011، وأنتجت ثورات أو انتفاضات ضد أنظمة مستبدة يحكمها الفرد الواحد أو الحزب الواحد، فإن المعارضة السورية كانت الأردأ من حيث الأداء والحصيلة.

أولاً من حيث أنها لم تستطع أن تتوحد حيث اختلفت منذ محادثات الأسبوع الأول من أيلول 2011 في العاصمة القطرية الدوحة والتي شملت “هيئة التنسيق الوطنية ” و “اعلان دمشق” و “جماعة الإخوان المسلمين”، على موضوعي التدخل العسكري الخارجي والسلاح المعارض حيث كان (الإخوان) و (الاعلان) يرون الاستعانة بالخارج كما جرى في ليبيا ومشروعية العنف المعارض وهو ما اختلفت (الهيئة) معهما بهذا الصدد حيث كانت ومازالت (الهيئة) ترى أن التوازنات لا تسمح بأكثر من تسوية يتم فيها إنشاء سلطة حكم انتقالي تضم السلطة والمعارضة تقود نحو نظام ديموقراطي، وهو ما ثبتته (الهيئة) في مؤتمر حلبون في 17 أيلول 2011، فيما ذهب (الاخوان) و (الاعلان) نحو تأسيس “المجلس الوطني “في 2 تشرين أول 2011 الذي غطى سياسياً السلاح المعارض وطالب صراحة بإنشاء “مناطق آمنة “يفرضها الخارج الدولي كما جرى في ليبيا عبر القرار الدولي 1973 في 17 آذار 2011 وهو ما شكل غطاءاً قانونياً لتدخل حلف الأطلسي-الناتو وإزاحة القذافي. 

وعندما جرت محاولة ثانية لتوحيد المعارضة تحت مظلة الجامعة العربية وجرت مفاوضات بين (الهيئة) و (المجلس) بالقاهرة استغرقت خمسة أسابيع وأنتجت وثيقة موقعة من رئيس المجلس ونائب المنسق العام للهيئة في 30 كانون أول 2011 كان يراد منها أن تكون برنامج عمل لمؤتمر موحد للمعارضة يعقد بمبنى الجامعة العربية في كانون ثاني 2012، فإن المكتب التنفيذي للمجلس رفض المصادقة على الوثيقة الموقعة وعندما جرى مؤتمر للمعارضة في القاهرة بيومي 2-3 تموز 2012، فإن (المجلس) رفض انشاء قيادة مشتركة للمعارضة أو لجنة متابعة بعد يومين من التداول بين المعارضين ظهر فيه حجم الخلاف بين اتجاه تسووي في المعارضة واتجاه اسقاطي يرى إسقاط النظام عبر السلاح والاستعانة بالخارج التي أعلنت دوله المرشحة للتدخل وخاصة حلف الناتو منذ 1تشرين ثاني 2011 أن “لا نية له بالتدخل العسكري في سوريا”، وفي نهاية مؤتمر القاهرة رفض (المجلس) طلب ناصر القدوة نائب المبعوث الدولي إلى سوريا كوفي عنان، بتضمين البيان الختامي للمؤتمر موافقة على (بيان جنيف1) الصادر قبل ثلاثة أيام عن الدول الخمسة الكبرى والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والداعي لسلطة انتقالية عبر هيئة حكم انتقالي تتشارك فيها السلطة والمعارضة تقود سوريا إلى نظام إلى نظام ديموقراطي جديد وهو ما وافقت عليه (الهيئة) وهي المبادرة منذ مؤتمر حلبون نحو هذا الطرح الذي تبناه المجتمع الدولي.

ثانيا كان (المجلس)، وخليفته “الائتلاف الوطني “المؤسس في 11\11\2012، لا يريد تسوية وفي محادثات (جنيف3)، التي استغرقت بين 29 كانون ثاني 2016 و 18 نيسان 2016 بين وفدي السلطة والمعارضة تحت رعاية الأمم المتحدة والدول الكبرى تشكل رباعي من رياض حجاب- فاروق طيفور- جورج صبرة- سهير أتاسي كان واضحاً من سلوكه وطروحاته أنه لا يريد محادثات تفضي إلى نتيجة ،وهو ما شاركهم فيه وفد السلطة السورية قبل أن يبادر رياض حجاب في 18 نيسان 2016 وبمبادرة فردية من دون التشاور مع باقي وفد (الهيئة العليا للمفاوضات)، ومنهم (هيئة التنسيق الوطنية)،إلى تعليق المحادثات ويبدو أن هذا كان بأوامر تركية التي كانت مختلفة وقتها مع واشنطن وموسكو وفي وقت كان هناك توافق أميركي- روسي على إنجاز حل سوري يفرض في نهاية ستة أشهر من المفاوضات إن لم يستطع وفدا السلطة والمعارضة التوصل إلى اتفاق بينهما وقد اعترف رياض حجاب في صيف 2017 لأحد أعضاء وفد المعارضة بأنه دخل (جنيف3) بنية “عدم الوصول إلى اتفاق”، وبالتأكيد كان هذا بأوامر اقليمية من أنقرة والدوحة .

هؤلاء الآن يدعون إلى حل انتقالي على أساس بيان جنيف وعلى أساس القرار الدولي 2254 الذي جرت مفاوضات جنيف 3 على أساسه وهم بعد أن أفشلوا كل شيء على أساسهما يدعون الآن للعودة إليهما ليس لإيمان بهما بل فقط للتشويش على عمل اللجنة الدستورية وهم يتلاقون في هذا مع السلطة السورية التي اشتغلت بشكل منهجي على تفشيل أعمال اللجنة الدستورية خوفاً منها من أن يؤدي الوصول إلى دستور جديد لفتح الطريق نحو عملية انتقالية سياسية قال بها بيان جنيف والقرار 2254.

يجب الآن أن يعترف هؤلاء المعارضين بأنهم قد فشلوا في كل ما طرحوه خلال عشر سنوات منذ يوم 18 آذار 2011، من مراهنتهم على التدخل العسكري الخارجي إلى استعمال العنف المعارض الذي أنتج وضعاً سادت فيه “النصرة”و”داعش”،ويجب أن يعترف الآن هؤلاء بأن برنامج (هيئة التنسيق الوطنية)، الداعي منذ 17 أيلول 2011 إلى حل تسووي ينتج سلطة حكم انتقالي، هو الذي انتصر ولوكان هناك حتى الآن مازالت أمامه عقبات كثيرة ويجب أن يعترفوا أنهم يشتركون في رفض هذا الحل مع السلطة في تلاقيات بين هؤلاء المعارضين والسلطة  لا تقتصر على هذه النقطة بل يشمل ذلك نقاط كثيرة منها اللاديموقراطية والفساد ونزعة الاستعانة بالخارج من أجل حسم صراع داخلي.

من هذا المنطلق يجب القول الآن بأن من تصدر واجهة المعارضة السورية أي الإسلاميون والمتلبرلون الجدد المغادرون للماركسية والشيوعية في “اعلان دمشق” ومن لف لفهم، قد فشلوا في قيادة باص المعارضة السورية، وأن عليهم أن يتنحوا عن مقعد قيادة الباص من دون إخراجهم منه، ليمسك بمقود باص المعارضة السورية الاتجاه التسووي عبر برنامجه الوطني الديمقراطي. 

إن الاتجاه الآن لجمع المعارضين الوطنيين الديمقراطيين في تجمع واسع يشكل (القطب الديمقراطي) بالتوازي والتخالف مع (القطب الإسلامي) هي خطوة أصبحت أكثر الحاحاً وضرورية من أجل إعادة بناء المعارضة السورية من جديد.يشكل انعقاد المؤتمر التأسيسي ل(الجبهة الوطنية الديمقراطية\جود) خطوة أولى هذا الطريق،وإن انعقاد هذا المؤتمر في دمشق أواخر هذا الشهر رسالة بأن عاصمة المعارضة في دمشق وليس في اسطنبول.

من افتتاحية العدد ٥٠ من جريدة المسار