جبل عامل وقيام دولة “لبنان الكبير” (1920)

موجز بحث د.محمد بسام لمؤتمر مئوية”لبنان الكبير”! تنظيم الجامعة اللبنانية

4 ـ النظام السياسي في «لبنان الكبير»: استقلالية مطلقة او كونفدرالية سورية?

  • أـ إقتراح لبنان المُفَدرَل مع سوريا: تنظيم الداخل السوري بين تقسيم وفدرلة؟  
  • تيارات فرنسية:
  • التيار الأول، يدعو لجعْل لبنان (سواء «المتصرفية» أو «الكبير») جزءاً من كونفدرالية تشمل سوريا الطبيعية بأكملها. ودعَم هذا التيار رئيس الحكومة أرستيد بريان الذي يعتبر سوريا «وحدة سياسية وجغرافية”. وفي مؤتمر سان ريمو في 18 ـ 24 نيسان 1920(متواقتا مع مؤتمر الحجير العاملي). ذُكرت سوريا [الكبرى وهي تعني: سوريا ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن] وغُيّب ذكْر لبنان.
  • التيار الثاني، يدعو إلى توسيع لبنان حتى «حدوده التاريخية والجغرافية»، واستقلاله التام والناجز عن محيطه العربي السوري. ومن مؤيدي هذا التيار بعض القادة العسكريين كالجنرال غورو والقومندان كولوندر، وروبير دي كاي، والأوساط الدينية الكاثوليكية المتأثرة بتوجيهات الفاتيكان( ). 
  • تيار ثالث براغماتي انبثق من التيارين السابقين، كحل وسط بينهما، دعا عملياً إلى تكبير لبنان، مع تأجيل البت النهائي بمسألة علاقته مع سوريا،
  • فرنسا تنظم تحركات فدرلة سوريا:

ـ وفد اللجنة المركزية السورية باسم المهاجرين السوريين إلى مؤتمر الصلح بزعامة شكري غانم وجورج سمنة، طالب بسوريا اتحادية لامركزية (وضمنها لبنان) تحت الحماية الفرنسية.

ـ وفد مجلس الإدارة اللبناني الأول برئاسة داود عمون في شباط 1919، كان مكلفا بطلب لبنان مستقل، ولكنه بضغط فرنسي، تجاوز مهمته الرسمية…وطالب بسوريا الكبرى تحت حماية فرنسية. 

ـ جواب كليمنصو إلى البطريرك الحويك: «إن الاستقلال [اللبناني] لا يمكن تحديده قبل أن يُمنح الانتداب على سوريا». 

-تصريح ميللران في 24 آب للمطران عبدالله خوري: «ليس في نية… [فرنسا] أن تحدد من الآن العلائق بين لبنان وسوريا، »( ).

  • ب – دوافع فرنسا للفدرالية السورية: 

– كانت  فرنسا تنظر إلى منطقة انتدابها في سوريا (ولبنان ضمناً) نظرة كلية، فترى في الكونفدرالية اختزالات إدارية وظيفية ومالية، واقتصادية. 

– كان قسم من اللبنانيين ـ بمن فيهم بعض المسيحيين ـ لا يرفضون مثل هذا الطرح. مثال : مذكرة مجلس الادارة اللبناني بقبول طرح الامير فيصل باستقلال ذاتي للبنان داخل سوريا اتحادية، وكان اعتقال غورو لحامليها الى دمشق في صوفر في 10 تموز1920والمحاكمة والنفي الى كورسيكا( 

– الفدرلة تسهِّل عملية ضم الأراضي ـ الملحقات(جبل عامل) إلى «لبنان الكبير» وتسهم في تخفيف ردود السكان السلبية على عملية إلحاقهم القسري به. 

  • ج ـ دوافع استقلال لبنان عن الكونفدرالية السورية:

– رأى روبير دي كاي: الحفاظ على استقلال لبنان التام عن سوريا لأسباب سياسية واجتماعية وثقافية، فضلا عن الضرورات الاقتصادية.يقول:”من مصلحتنا قدر الإمكان استثمار الارتباط التقليدي بين لبنان وفرنسا من أجل فَرْنَسة السكان، بأكثريتهم المسيحية، الذين لا يميلون نحو سوريا، بل نحو بلاد ما وراء البحار»( ).

– تبنّى ميللران وجهة نظر دي كاي «الاستقلالية اللبنانية  تلبية لرغبة المهاجرين اللبنانيين الذين «يقدمون أنفسهم كجزء من رعايا ممثلينا في الخارج، 

– من مساويء دمج لبنان بالكونفدرالية، اننا نكون قد أضعنا العنصر اللبناني الموالي لنا، وجازفنا بنجاحنا في بقية المناطق السورية الأخرى». إذن، تقضي مهمتنا «فرْنَسَة» لبنان بأكبر قدر ممكن».

  • د ـ إعلان دولة «لبنان الكبير» المستقل:  

 بعد اجراءات الضم، وفي الأول من أيلول،أعلن غورو ولادة «دولة لبنان الكبير» المستقلة، وألقى خطابه المعروف الحافل بالترغيب والتحذير:”إن لبنان الكبير أُنشيء لفائدة الجميع ولم يُنشأْ ضد أحد». 

وكان لجبل عامل حضوره في الخطاب من خلال إشادته «بمدينتي صيدا وصور صاحبتيْ الماضي الشهير، اللتين ستجددان شبابهما باتحادهما بوطن كبير»( ). 

وتبعاً للتنظيم الجديد أصبح جبل عامل يحمل تسمية جديدة: متصرفية لبنان الجنوبي، مركزها صيدا. تتألف من:-قضاء صيدا  -قضاء صور -قضاء مرجعيون

  • هـ. أصداء إعلان دولة «لبنان الكبير» في «الملحقات اللبنانية»:  

– مواقف سكان جبل عامل من دولة «لبنان الكبير» فيها بعض التباين والثنائية: بين مسلمين منكوبين من حملة نيجر، غابوا عن ولادة لبنان وعن اصداء اعلانه، ومسيحيين مبتهجين باللبننة

  • و – «لبنان الكبير» إلى التصغير والفَدْرلة؟

في الأول من أيلول 1920، ألقى الجنرال غورو خطاباً أشار فيه إلى احتمال إنشاء كونفدرالية سوريا، تضم دويلات: دمشق وحلب وبلاد العلويين، كما ألمح إلى إمكانية ارتباط لبنان بها، في «اليوم الذي يقرر هو نفسه الدخول فيها»( ). وكان هذا مبعث الريبة في نفوس اللبنانيين 

وفي 17 آذار 1921، ومراعاة لاستياء بعض اللبنانيين من التكبير المتمادي للبنان، كتب أرستيد بريان، رئيس الوزارة الفرنسية، إلى الجنرال غورو توجيهاً اقترح تصغير لبنان، بفصل منطقة طرابلس عنه، لتعزيز العنصر المسيحي فيه وتدعيم التجانس بين سكانه( ). 

وعلى الأثر سرت إشاعات بفصل جبل عامل، الثقل الإسلامي، عن «لبنان الكبير» وجعْله دويلة مستقلة استقلالاً ذاتياً. 

ولكن اللبنانيين عادوا إلى التمسك بجبل عامل في «لبنان الكبير»، كمدى حيوي لحوض الليطاني في وجه الأطماع الصهيونية. 

  • أما اقتراح فدْرَلَة لبنان مع سوريا فقد فتح شهية مسلمي لبنان على «الوحدة السورية» من جديد. تقول العرفان:«الشيعة بقضِّهم وقضيضهم يطلبون الوحدة السورية وهم على وفاق مع السنيين وعقلاء المسيحيين في هذا الأمر»( ). 

بين فدرالية سورية وميزانية موحدة، وفصل طرابلس أو «مناطق إسلامية» عن «لبنان الكبير»، أصبح هذا البلد الجنين مفتوحاً على غير احتمال. واستحضر اللبنانيون انتماءاتهم السابقة المعروفة؛ فانبعثت عند البعض آمال، فيما خشي البعض الآخر من خيبة الآمال. لكن غورو آثر الانتصار للتيار الاستقلالي اللبناني، لِما فيه المصلحة الفرنسية في الشرق، فيقول: «بحفاظنا على الخصوصية اللبنانية يمكن أن نحتفظ بهامش من التأثير في حال مالت سوريا المسلمة إلى رفض الانتداب. وفي المستقبل سيصبح لبنان، بلا شك…تابِعَنا،… ويمكن أن يشكل احتياطاً لنا في الشرق. ليس لنا أي مصلحة في تذويبه في الباقي»( ). هام جدا: لبنان بمثابة احتياط فرنسي في الشرق؟!

  • صحيفة (الرأي العام) تصور، سنة 1923، هشاشة لبنان، هذا المولود الوطني المهيض، فتقول: «جسم يداه من (فخار) ورجلاه من (تنك) وصدره من (مقوى) ورأسه من (جفصين). هل يمكن أن يكون جوهراً غير معلول بعلّة ذا قوة أو قابلية حياتية… إن رأس لبنان ماروني، وصدره مسلم سني، ويديه درزيتان، و(  ؟  ) شيعي وقلبه أرثوذكسي… »( )… فماذا بقي للشيعة ؟؟.
  • ختاما بشكل عام وهام، يمكن القول: إن العامليين لم يطلبوا، ولا مرة، الالتحاق بفلسطين “الصهيونية”، بل كان تطلُّعهم السياسي محصوراً بالبدائل التالية: البقاء في لبنان، أو العودة إلى الوحدة السورية، أو إنشاء كيان عاملي خاص مستقل ذاتياً، أو تشكيله مع«الملحقات اللبنانية» الاخرى دويلة مستقلة إلى جانب «لبنان الصغير»([1]).

[1]) راجع: البشير، 11 شباط و16 و19 كانون ثاني 1923، والبرق 8 كانون ثاني 1926. وملحق النهار السنوي 1974 ص 53.