جمال عامر
ليس من قبيل المصادفة أن الحركة النسوية بدأت في أواخر القرن التاسع عشر خلال فترة النهضة العربية وهي فترة من النهضة الثقافية التي بدأت في مصر سرعان ما انتشرت في لبنان وسوريا وغيرها من البلدان الناطقة بالعربية.
“مريانا مرّاش”التي كانت تكتب في الصحف في عام 1870 وتدعو إلى تحرير النساء (وربما كانت أول امرأة عربية تفعل ذلك) .
كان تطور الحراك النسوي العربي شبه متوقف في كل الدول العربية نتيجة سيطرة الأنظمة الاستبدادية عليها ، و كان موقف أنظمة ما بعد إنقلاب الثامن من آذار 1963 لحزب البعث من الحركة النسوية السورية إما الحظر أو الاحتواء أو الاستيعاب، وقد أوقف هذا التطور الطبيعي للحركة النسائية، عندما حصلت الموجة النسوية الثانية في العالم في الستينات تقريبًا وبدأت تطرح مفهوم توزيع الأدوار الاجتماعية بين الرجل والمرأة بالمجتمع، تم التصديق والانضمام إلى اتفاقية السيداو من قبل سورية بالمرسوم رقم -330- تاريخ 25-9 – 2002، وتحفظت سورياعلى بعض المواد بسبب مخالفتها للشريعة الإسلامية في انتقاص لحقوق المواطنة المتساوية اياً كان الجنس ، وفي امتهان لكرامة المرأة.
ما زالت المرأة السورية تعاني الاضطهاد الطبقي الذكوري، حيث ينطبق وصف أنجلس عليها كون الذكر هو البرجوازي والانثى هي البروليتاريا، وما زالت العائلة الأبوية هي المسيطرة والسائدة، وما يتبعه ذلك من تربية الأطفال على الخضوع والطاعة للسلطة الأقوى، بدلا من التربية المستندة إلى أحدث النظريات العلمية التي تبينت فائدتها وصحتها المبنية على التنشئة الديمقراطية والثقة بالنفس والتفكير والنقد والابتكار وحفظ الكرامات وتقديس الكرامة الإنسانية، وهذا ما ينعكس على المستوى المجتمعي، من خلال المشاركة الديمقراطية ، وتعزيز الحوار الديمقراطي، والعمل لاستقلال منظمات المجتمع المدني كافة و..الخ.
وصلت معدلات الردة نحو الطائفة والمذهب والدين لمستويات عالية قبل انفجار الأزمة السورية في عام 2011، باشتداد حالات التدين المتطرف، وذلك لا يمكن عزوه للثقافة المحلية فقط، بل أيضاً إلى الممارسات الاستبدادية والسياسات الاقتصادية – الاجتماعية وترسيخ السلطة لنظام العائلة الأبوية وسيطرة الذكر على كل مفاصل حياة العائلة وقرارها وتربية الأطفال، وإحياء العلاقات القبلية والعشائرية والدينية (خاصة مع تدخل المؤسسة الدينية الإسلامية في التشريع كما عززه الدستور السوري الحالي والقديم)، وذلك أمام إنحسار للحركة النسوية.
يلاحظ نخبوية الحركة النسوية السورية، وهذا ما يفرض مجددا تحديد الأولويات النسوية في تحديد التوافقات والخلافات، ووضع برنامج سنوي يشمل مطالب النساء في مختلف ميادين العمل والحياة بدءاً من المرأة العاملة وصولاً الى المطالب المشتركة للنساء من مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية، لتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وتنفيذ الكوتا بأبعادها، وإنعاش المرأة و..الخ.
يلاحظ أيضا سيادة التعصب التنظيمي للحركات النسوية ، مما يعيق ويجزئ العمل النسوي ويحول دون تحقيق أهدافه النسوية، هذا يتطلب الوعي النسوي في التقريب بين برامج واستراتيجيات الحركات النسوية السورية للإنتظام بائتلاف نسوي يحقق الوحدة النسوية ويوحد الجهود النسوية، لوضع استراتيجية عمل نسوي موحدة ووضع رؤية برنامجية للعمل النسوي تشمل مطالب النساء في كافة قطاعات العمل والحياة العامة والخاصة لتجاوز النخبوية في العمل ، وتبعثر الجهود أيضاً، وإضافة للوحدة الاستراتيجية، يعمل عامل مهم خاصة بعد انفجار الأزمة السورية في عام 2011 وهو المتمثل بضرورة الإنخراط (للحركات والتجمعات النسوية) ضمن مشروع وطني ديمقراطي ، ذلك من خلال التمثيل المتساوي مع الرجل في مفاوضات السلام، و من خلال المشاركة في المؤسسات التي تمثل منظمات المجتمع المدني اثناء المفاوضات لإنجاز الحل السياسي التسووي السوري وفق القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، وهذا ما يضمنه القانون رقم 1325 الصادر من مجلس الأمن لعام 2000 الذي يضمن للمرأة أثناء النزاعات من المشاركة في مفاوضات السلام.
هناك أيضا عامل مهم في مصداقية عمل الحركات والتجمعات النسويين، الذي يحدد أبعاد العمل النسوي، كاستقلال القرار النسوي بعيداً عن أي تجاذبات واستقطابات قد تجر الحركة النسوية السورية للإرتباط بمشاريع اقليمية ودولية، وهذا يتطلب العمل من أجل الحفاظ على الوجه المستقل للحركة النسوية السورية، وتمثيلها لأوسع مجال من القطاعات التي تعمل المرأة بها، وأوسع مشاركة من قبل النساء من مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية في القرار النسوي.
من غير الوحدة في إستراتيجية العمل النسوي، والتوافق على برنامج نسوي يمثل كافة النساء في كافة القطاعات والفئات الاجتماعية والعمرية، والانخراط في مشروع وطني ديمقراطي، ستبقى الحركة النسوية تعاني النخبوية وتمثل فئات معينة للمرأة كالفئات الوسطى، وتبعثر الجهود، ولن تستطيع الوصول لأبعد من ذلك والمتمثل بتحويل الحركة النسوية لممثل أساسي للمرأة في كافة قطاعات العمل والحياة ، ومن مختلف الانتماءات الاجتماعية والعمرية، بالتالي توحيد الجهود للوصول للضغط المطلوب على الطبقة السياسية الحاكمة لتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وتنفيذ الكوتا، و إنعاش وتنمية المرأة و..الخ.
الصورة: المؤتمر النسائي الأول في دمشق – المصدر: سوريات