سلسلة رؤساء وزراء سوريا: زكي الخطيب

ولِد زكي الخطيب في دمشق لأُسرة دينية عريقة عام 1887، درّس الكثير من أبنائها في الجامع الأموي، وكان والده الشيخ أبو الخير الخطيب من أشهر رجال دين  عصره في بلاد الشام. دَرَس زكي الخطيب في مدرسة السلطان بيازيد في إسطنبول وفي المعهد الملكي، وتخرج حاملاً شهادة أولى بالحقوق وثانية بالعلوم السياسية والإدارية

عُين الخطيب بداية في ولاية دمشق وأصبح قائم مقام سنجار سنة 1910. انتقل بعدها إلى عكار ولكنه بدأ بانتقاد الدولة العثمانية لممارساتها ولإعدامها عدداً من قادة المجتمع السوري عام 1916 فتم فصله من الخدمة ونفيه إلى مدينة ديار بكر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. عاد بعدها إلى دمشق وبايع الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على المدينة، فقام الأخير بتعينه قائم مقام على مدينة عجلون وفي عام 1919 مديراً لمراسلات مدينة حلب.

حافظ زكي الخطيب على منصبه الحكومي في ظلّ حكم الانتداب الفرنسي الذي فرض على سورية عام 1920  حيث في عام 1922 عُيّن رئيساً لديوان دولة الاتحاد السوري التي جمعت بين دول دمشق ودولة حلب ودولة العلويين. وفي عام 1926، كلفه وزير الداخلية حسني البرازي برئاسة ديوان الوزارة خلال الثورة السورية الكبرى، وأعيد تكليفه بنفس المنصب في عهد الوزير رؤوف الأيوبي.

بعد انتهاء الثورة، انضم زكي الخطيب إلى صفوف الكتلة الوطنية عام 1928 التي أُسست لمحاربة الاستعمار الفرنسي بطُرق سلمية، وطالبت بإلقاء السلاح والاعتماد على النضال السياسي لا العسكري لإنهاء الانتداب. عمل مع رئيس الكتلة هاشم الأتاسي على خلق قاعدة شعبية لها بين الأوساط المحافظة والدينية التي كان الخطيب ينتمي إليها، وفي عام 1928، انتخب مشرعاً ممثلاً عن دمشق في المجلس التأسيسي المُكلّف بوضع أول دستور جمهوري للبلاد. أنجز العمل خلال مدة أسبوعين ولكن الفرنسيين رفضوا التصديق على الدستور لخلوّه من أي اعتراف بشرعية الانتداب الفرنسي ، وطالبوا بتعديل ست مواد من مواده الإشكالية ولكن أعضاء الجمعية رفضوا الاستجابة، فقامت المفوضية الفرنسية العليا في بيروت بتعطيل عملهم ورفض الدستور المقترح ، وفي عام 1932 انتخب نائباً عن دمشق في البرلمان السوري، على قائمة الكتلة الوطنية.

انشق زكي الخطيب عن الكتلة سنة 1936 بعد إبرامها معاهدة مع الحكومة الفرنسية، تُعطي الفرنسيين حق الانتفاع من الأراضي السورية في حال نشوب حرب عالمية جديدة في أوروبا، مع امتيازات ثقافية وسياسية بعيدة المدى، مقابل قبول الفرنسيين بوضع حد زمني للانتداب، ينتهي بشكل تدريجي بعد خمس وعشرين سنة. رأى الخطيب أن الوفد المفاوض لم يراعِ مصالح الشعب السوري ورفض الاعتراف بشرعية زملائه في الكتلة الذين وصلوا إلى الحكم بموجب اتفاقية عام 1936، وأسس حزباً سياسياً معارضاً لهم، سمي حزب الاتحاد الوطني وانضم إلى صفوف الزعيم عبد الرحمن الشهبندر، أحد زعماء الثورة السورية الكبرى والذي قاد المعارضة ضد المعاهدة وبنودها.

وفي 16شباط 1938، أُلقي القبض على زكي الخطيب بأمر من صديق الأمس جميل مردم بك، الذي بات رئيساً للوزراء، وزُجّ في سجن الشيخ حسن بتهمة عقد اجتماع سياسي غير مُرخص في حي الميدان، تم في أثنائه توزيع مناشير فيها تحريض على الحكم وعلى رئيس الحكومة بالتحديد، وقد تبرع عدد من أبرز المحامين السوريين للدفاع عنه، يترأسهم نقيب المحامين أحمد فؤاد القضماني، ولكن المحكمة المختصة حكمت عليه بالسجن مدة أربعة أشهر، خرج بعدها ناقماً على الكتلة وعلى كافة زعمائها.

في 20 أيلول 1941، ذهبت رئاسة الحكومة لصديق عبد الرحمن الشهبندر حسن الحكيم، الذي كلّف زكي الخطيب بحقيبة العدل حتى 17 نيسان 1942، حيث أشرفت هذه الحكومة على توحيد البلاد السورية وعلى ضم دولتي جبل الدروز والعلويين إلى أراضيها، كما أعلنت عن استقلال سورية من نظام الانتداب مع القبول ببقاء الجيش الفرنسي على سورية إلى حين انتهاء الحرب العالمية الثانية.

بعد إعلان الجلاء عام 1946، عاد زكي الخطيب إلى المجلس النيابي بشكل مستقل عبر انتخابات برلمان 1947، وفي عام 1949 انتخب عضواً في الجمعية  التأسيسية  المكلفة بوضع دستور جديد للبلاد، بعد القضاء على حكم حسني الزعيم العسكري ، تحولت هذه الجمعية في 5 أيلول 1950 مع إقرار الدستور من قبلها  إلى مجلس نيابي. قامت الجمعية التأسيسية  بانتخاب هاشم الأتاسي رئيساً للبلاد ، وفي عهده، شكل الدكتور ناظم القدسي الحكومة الوطنية الأولى في كانون الأول 1949، وقام بتعيين الخطيب وزيراً للعدل ولكن الحكومة سقطت بعد ثلاثة أيام فقط، وحل بدلاً منه فيضي الأتاسي في حكومة جديدة ترأسها خالد العظم ، لكن القدسي أعاد تكليفه بنفس الحقيبة في حكومته الثانية والثالثة، من حزيران 1950 وحتى آذار 1951.

تولى رئاسة الوزراء بين 13 تشرين ثاني 1951 و 28 تشرين ثاني 1951 بعد الأزمة الوزارية التي أعقبت استقالة وزارة حسن الحكيم منذ يوم 24 تشرين أول 1951. تولى الوزارة بعده معروف الدواليبي في يوم 28 تشرين ثاني 1951 وهو ما دفع العقيد أديب الشيشكلي للقيام بانقلاب ليلة 28-29 تشرين ثاني 1951 نتيجة رفض الدواليبي تولي عسكريين لوزارتي الدفاع والداخلية.

غاب زكي الخطيب عن أي منصب سياسي في المراحل اللاحقة، وقد توارى عن الأنظار في عهد العقيد أديب الشيشكلي خوفاً من الاعتقال بسبب مواقفه المعارضة لحكم العسكر.

توفي في دمشق عن عمر ناهز 74 عاماً يوم 24 نيسان 1961، خلال الأشهر الأخيرة من الوحدة السورية-المصرية.