جمال عامر
اندلع الحراك اللبناني في ظرف إقليمي محتدم فمن جهة هناك صراع حول بنود الاتفاق النووي الايراني ومن جهة اخرى هناك خلاف حول النفوذ (العراق وسوريا واليمن) وأفق الحل السياسي في اليمن وسوريا ، كل هذا كان له انعكاساته على الوضع الداخلي اللبناني وتحديد للتقاربات والتباعدات في سياسات القوى اللبنانية خاصة مع الطبيعة الكومبرادورية البرجوازية اللبنانية التي تتحكم بمفاصل السلطة الطائفية الحاكمة التابعة بشكل أو بآخر لأجندة ومشاريع خارجيين، وهذا ما يطرح إمكانيات إنجاز التغيير الوطني الديمقراطي في ظل هذه التوازنات وتقديم خطاب تُجمع عليه كافة القوى الاجتماعية والسياسية التي لها مصلحة في التغيير وهدم النظام الطائفي خاصة مع موجات التحركات الشعبية في العالم العربي التي تنادي بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية في مواجهة انظمة الإذلال والاستبداد الاقتصادي والسياسي وحتى أنظمة العائلة الأبوية التي تشرعنها هذه الأنظمة وتحميها كونها تحميها في مواجهة حركات التغيير.
لا بد من الوصول لبعض الاستنتاجات التي فرضها الحراك اللبناني الذي قدم خطاب مدني ووطني جامع بين القوى الوطنية الديمقراطية اللبنانية، فلا شك فيه تعيش السلطة اللبنانية ازمة ثورية فمن جهة ممنوع عليها الرجوع بلبنان الى الخلف لتحاصص طائفي جديد ومن جهة أخرى تخاف من التقدم للمستقبل في حال القيام بإصلاحات تؤدي لوضع جديد غير مسيطر عليه وذلك مع تزايد الإلحاح لتقوم الدولة اللبنانية بإصلاحات وتتجاوز النظام الطائفي.
أولاً:
فضح الحراك اللبناني لكل القوى الديمقراطية في لبنان وخارجها السلطة السياسية والنظام الطائفي التي وصفها مهدي عامل بأنه نظام السيطرة للبرجوازية الكولونيالية (الكومبرادورية) اللبنانية في تبعيتها البنيوية للمراكز الإمبريالية بالتالي فضح السلطة التي هي تحالف بين أمراء الطوائف الطفيليين الكولونياليين (الكومبرادوريين) الذين ليس لديهم مشروع وطني يمكن فيه حلحلة الأزمات الاقتصادية والانتقال بالمجتمع اللبناني نحو المدنية والانتقال بالدولة من دولة تحالف طائفي الى دولة وطنية مدنية ديمقراطية تحفظ حقوق الإنسان والمرأة والطفل وتصون كرامة المواطن اللبناني وتحقق العدالة الاجتماعية في سياق نهج قومي مقاوم للمشروع الامبريالي الامريكي الصهيوني في المنطقة العربية.
ما زالت القوى الطائفية اللبنانية تلعب على حبل الطائفية وتحاول جاهدة ترسيخ النظام الطائفي من خلال اعادة تشكيل حكومة محاصصة طائفية بعيدا عن رغبة المتظاهرين الذين وصلوا للمليون متظاهر وهذا التقييم إذا أخذ في ظل دول استبدادية يجب ضرب كل متظاهر بعشرين شخص يخافون النزول في التظاهرات او ليست لديهم القدرة ولا يملكون الإمكانيات للمشاركة في التظاهرات.
تطرح الانتفاضة اللبنانية مهمة تحديد القوى الاجتماعية التي ترغب في التغيير الوطني الديمقراطي وتلك المحافظة لتحديد امكانية تشكيل تحالف طبقي سياسي بين القوى الفاعلة إن كان الاجتماعية أو السياسية وفق برنامج تغيير وطني ديمقراطي من خلال مشاركة العمال بأحزابهم السياسية وقواهم النقابية والحركات النسوية والعاطلين عن العمل والطلبة والفئات الوسطى المتضررة معيشتها من السياسات الحكومية والمتجاوزة في وعي قسم منها للفكر الطائفي .لقلب موازين القوى من خلال امكانيات العمل الديمقراطي بدءا من الاضرابات العمالية والشعبية الى العصيان المدني.
ثانياً:
هذا الخطاب الوطني الذي قدمه الحراك يعد إنجاز وطني ضخم متفارق مع اللغة المذهبية والطائفية ومتجاوز لها في المطالب التي طرحها والشعارات التي رفعها على الرغم من لعب بعض القوى اللبنانية على تحويل هذه الانتفاضة لصراع طائفي وهذا ما عمل على فضحه المتظاهرين من خلال فضح القوى الطائفية التي وراءه.
ثالثاً:
قال منسقي الحراك اللبناني والمتظاهرين لا مكان لقوى هي أداة لقوى خارجية ومشاريع اقليمية في لبنان وأن لبنان يجب إبعاده عن مختلف المشاريع الخارجية التي تضر بمصالح المجتمع اللبناني ككل، وهذا الموقف الذي طرحه المتظاهرين يطرح العديد من التساؤلات أولها هل لبنان بسبب الطبيعة الكولنيالية (الكومبرادورية)التابعة ذات الشكل الطائفي للبرجوازية اللبنانية مقدم على حرب اهلية بسبب التوازنات المحلية وارتباطها بالخارج الاقليمي والدولي ام مقبل على هدم للنظام الطائفي من خلال الحرب ذات الابعاد الوطنية وهل هذه الحرب هي تمهد للتغيير الوطني الديمقراطي ام ان السلاح يؤدي لأقلمة الانتفاضة وتدويلها خاصة مع عدم رغبة بعض القوى الأساسية في النظام الطائفي بالتغيير الوطني الديمقراطي فهي هذه القوى ذات ابعاد طائفية مذهبية لا تمت لمشروع التغيير الوطني الديمقراطي بأي صلة فيبقى السؤال الأخير وهو لبنان إلى أين ذاهب في ظل هذه التوازنات؟
لا بد من توضيح ان انتفاضات الشعوب العربية تأتي مثل حلقات وكل حلقة تحيي الأخرى فالعراق ثم بعدها جاء لبنان لتبين هذه الانتفاضات الارتباطات بين المجتمعات العربية كونها تحمل رسالة واحدة وهي إزالة أنظمة الاستبداد الكولونيالي (الكومبرادوري) الطبقي والكولونيالي (الكومبرادوري) الطائفي وبناء مشروع عربي مقاوم للهيمنة الامبريالية من خلال تصنيع الاقتصاد العربي بكافة قطاعاته وفك التبعية وتحقيق مهام المرحلة البرجوازية في السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة كونها مهمة لا بد من إنجازها في ظل موازين هذه المرحلة التي التي تعبر عن تدهور الأنظمة العربية بأكملها وتدهور وتفكك البنيات الاجتماعية التي تحكمها التي تسببها هذه الانظمة بالذات.