الديمقراطية والإرهاب

جمال عامر

تأتي قيمة الديمقراطية من الحاجة الملحة والاستراتيجية لبناء مجتمع منظم يقود سفينته في الاتجاه الصحيح فالديمقراطية تحصر رموز الفساد والإخلال بالقانون وتطبيق سيادة القانون ويصبح للقانون رهبة عند الجميع – المشرعين – الدولة – بقية أفراد الشعب.

سأتحدث عن الديمقراطية ليس من موقع تعليمي بل عبر طرح بذور حلول لمشاكل يعانيها مجتمعنا مع بعض الاختصار لأن ما أكتبه مقالة وليس دراسة لكن مقالة علمية تستند على المنهج العلمي وعلى مجموع الملاحظات العلمية للعلوم الاجتماعية.

الديمقراطية حكم الشعب وسيادة القانون، هي المناخ الملائم لممارسة أوسع مجال من الرقابة الديمقراطية على مؤسسات الدولة ومراقبة المجتمع بتياراته السياسية والنقابية والعلمية وغيرها لمجراه النهائي ليضع الاستراتيجية الضرورية للوصول لأهداف معينة منها التنمية وحصر رموز الفساد وتحقيق رهبة القانون والقضاء على الارهاب العابر للحدود وفصل السلطات، فمن خلال الرقابة الديمقراطية الشعبية واصدار الصحف والمجلات وحرية المظاهرات وتشكيل الأحزاب وحرية الاجتماعات كلها تساهم في حصر الفساد وتنمية المجتمع ووسيلة لزوال الاقطاع السياسي والاقتصادي والديني والقضاء على جذور الارهاب الفكري والسياسي حيث تبين التجارب أنَّ الارهاب جاء من بنيات اجتماعية متفككة وتعاني من فشل مشاريع التنمية والديمقراطية وسيادة القانون وتضخم الفساد والأزمات الاقتصادية الخانقة، فالممارسة الديمقراطية تنتج مجتمع مدني ديمقراطي سيد نفسه يفسح المجال للابداع والنقاش والنقد والبحث والاستقراء والقياس للوصول للأهداف المحددة.

تأتي ضرورات الديمقراطية ليس فقط في اقتلاع جذور الارهاب وارهاب الدولة وحصر الفساد وتنمية المجتمع ودمقرطة مؤسساته جميعها بل في إنجاز المهام الوطنية والقومية من تحرير الأراضي المغتصبة ودعم نضال الشعب الفلسطيني والتصدي للانحلال العدمي تجاه المسؤولية الوطنية  وتعزيز الروح القومية العروبية لتحقيق الوحدة العربية المنشودة كونها طريق لا بد منه من اجل انجاز المهام القومية الديمقراطية وتحقيق الاستقلال وفك التبعية لشركات متعددة الجنسية والدول الإمبريالية وهذا يتعزز عندما يرى المواطن نفسه في موقع المسؤول والباحث عن الحلول والناقد والكاتب والجندي الأول.

فقط عندما تتحقق رهبة القانون وعدم تجاوزه واستغلال الثغرات به ولا سلطة بعد سلطة القانون الديمقراطي وفصل الدين عن الدولة وانجاز التحرر الوطني والقومي بالاقتصاد والسياسة والاجتماع يتحقق المجتمع الديمقراطي المدني المتجاوز لكل العلاقات ما قبل الوطنية والقومية فقط من خلال أداة الرقابة الديمقراطية والمساءلة الشفافة والمتاحة لكل القوى السياسية والمهنية.

العراق وسوريا يبينان أهمية احقاق الديمقراطية في العادات والتقاليد وتكوين الشخصية ونمو المسؤولية المواطنية، فقد بين مثال العراق تراكم الثغرات وقد كانت ممارسة الديكتاتورية طريق سهّل للاحتلال الخارجي فلم يؤمن الحكم الديكتاتوري بنية اجتماعية متماسكة للتصدي ومجابهة لأي عدوان واحتلال خارجيين وتبين التجربة السورية ومسار الأزمة السورية من احتلال وتدخلات خارجية أهمية تدعيم الوضع الداخلي لمواجهة الاستحقاقات الخارجية الوطنية والقومية والدولية ولا سبيل لإزالة خطر الاحتلال الخارجي من غير طريق تحقيق البرنامج الديمقراطي الذي هو النقطة المشتركة بين غالبية قوى المعارضة السورية وقوى المجتمع المدني.

من العدد ٤٤ من جريدة المسار