ماري شاورت
صحيفة “اللوموند” الفرنسية – 31 تموز 2017
CETA: اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وكندا
(المقال يدرس التنازع بين الوطني وبين النطاق الأوروبي عند دول الاتحاد الأوروبي)
في يوم الاثنين، أدرك النّواب اليساريّون واستنتج المجلس الدّستوري الفرنسي أنّ الاتّفاقية التّجاريّة بالتّبادل الحر بين الاتّحاد الأوروبي وكندا لا تفرض مراجعة الدّستور.
هذا القرار قد كان متوقّعاً بشكل محدد من قبل المنظمات غير الحكوميّة “ONG”، وجزء من حلف اليسار، وجميع أولئك الّذين يقلقون من فائض التّبادل الحر. يوم الاثنين في 31 تموز قام المجلس الدّستوري، والّذي بغالبية أعضائه المؤلف من 60 نائباً من حلف اليسار، بإصدار قرار بخصوص اتّفاقية التّجارة الحرّة بين الاتّحاد الأوروبي “EU” وكندا. والنّتيجة أنّ أعضاء المجلس الدّستوري يعتبرون أنّ هذا القرار ليس مخالفاً للدّستور الفرنسي.
بحسب البيان الصّادر يوم الاثنين، قرّر المجلس الدّستوري أنّ هذه الاتّفاقية لا تفرض مراجعة الدّستور، وقد جاء هذا القرار في نهاية تحليله وضمن الإطار الصّارم للاختبار الدّستوري للاتّفاقية الّتي تندرج بأغلبها ضمن الاختصاص الحصري للاتّحاد الأوروبي.
هذا القرار لا مثيل لهُ:
لأنّ هذه هي المرّة الأولى الّذي يقوم بها المجلس الدّستوري بالاستحواذ على اتّفاقية تجاريّة موقّعة من بروكسل، والّتي جزّأها الرّئيس حيث تدور الصّلاحيات الخاصّة بالاتّحاد الأوروبي، وفيما يخصّ هذا المجال فإنهُ يجب على محكمة العدل التّابعة للاتّحاد الأوروبي بأن تقوم بالحكم.
كل المناقشات فيما يخصّ اتّفاقية “الجيل الجديد” هي مناقشات حسّاسة سياسيّاً. في الواقع هذه الاتّفاقية تتجاوز بشكل بالغ الاتّفاقيات التّقليديّة للتّبادل الحر هادفة إلى تقليل الحواجز غير الجمركيّة بين كندا وأوروبا. بالنّسبة لمشجعيها فهي فرصة زيادة التّبادلات بين الاتّحاد الأوروبي وكندا تقريباً بنسبة 25%. أمّا بالنّسبة لمنافسيها وخصوصاً المنظمات غير الحكوميّة وهي جزء من حلف اليسار الّذين يتهمونها، فهي تمثّل خطر تراجع فيما يخصّ المعايير الاجتماعيّة والبيئيّة.
البرلمان الأوروبي يصادق على اتّفاقية التّبادل الحر بين الاتّحاد الأوروبي وكندا:
بشكل منفصل فإنّ المجلس اهتمّ بأربع قضايا كبرى مميزاً بذلك ما قد يندرج ضمن الاختصاصات الحصريّة المشتركة مع الدّول الأوروبيّة، ويُقصد بذلك جوهر الاتّفاقية للاتّحاد الأوروبي والّتي هي اختصاصات مشتركة مع الدّول، وذلك هو جوهر الاتّفاق. وقد أكّد المجلس في جزئهِ الأوّل أنّ الاتّفاقية بمجملها لا تُشكّك في “الهوية الدّستوريّة بفرنسا” وهناك أيضاً مبدأ قوى والّذي استناداً عليه يحتفظ المجلس بحقِه، ينطق الحكم في المستقبل بما يخص المعاهدات التّجاريّة المستقبليّة الموقّعة في أوروبا.
هيئة التّحكيم:
إضافةّ لذلك فإنّ المجلس قد اهتمّ بالآليّة الّتي أقرّتها CETA من أجل تسوية النّزاعات القائمة بين المستثمرين والدّول الأعضاء. هذه هي النّقطة الّتي تندرج تحت الصّلاحيات المشتركة وهي الّتي تشجبها المنظمات غير الحكومية وحزب اليسار بقوة. في الواقع فإنّ هيئة الحكم ستسمح للشّركات الكنديّة بمقاضاة الدّول الأوروبيّة إذا كانت هذهِ الشّركات تعتبر أنّ القرارات العامة تتعارض مع التزامات المعاهدة. وفي مذكّرة مكتوبة من قبل المحاميين فإنّ المنظمة غير الحكوميّة “FOOD WATCH” بالتّعاون مع مؤسسة فيبلين ومؤسسة الطّبيعة والإنسان FNH ومؤسسة هولوت السّابقة، إنّ هذا يتناقض مع المبدأ الدّستوري في المساواة، بما أنّ الشّركات الفرنسيّة لن تتمكن من الوصول إلى المحكمة.
CETA سوف تدخل حيز التّنفيذ حتى قبل المصادقة عليها:
المجلس الدّستوري بدوره يقضي بأنّهُ لا يوجد أيّ شيء مخالف للدّستور، كما أنّهُ يذكّر بأن المحكمة لا يمكنها أن تفسر أو تلغي القرارات المتّخذة من قبل الدّول أنّ صلاحياتها تقتصر على دفع تعويضات ماليّة على الممتلكات وأنّ هناك ما يكفي من القواعد والمبادئ الأخلاقيّة الّتي تحكم عملها في هذهِ الظّروف فإنّ المجلس يعتبر مبدأ المساواة لا يُنتهك وأنّ الاتّفاقية لا تتناقض مع شروط ممارسة السّيادة الوطنيّة.
كما أنّ أعضاء المجلس الدّستوري صوّتوا أيضاً لمبدأ الاحتياط وبخصوص هذا فإن معارضو CETA يرفضون فكرة عدم وجود أيّ إشارة لهذا المبدأ في الاتّفاقية، ورغم أنّهُ قد أُدرج في الدّستور الفرنسي منذ عام 2005 من خلال ميثاق البيئة.
لكن المجلس الدّستوري يعلن رغم ذلك أنّ مبدأ الاحتفاظ مضمون بما أنّهُ محمي بموجب قانون الاتّحاد الأوروبي المُطّبق في هذا المجال.
لجنة تمّ التنازع عليها:
نقطة أخيرة حسّاسة: التّطبيق المؤقت. في 15 من شباط الماضي تمّ تشريع CETA من قبل البرلمان الأوروبي وذلك بعد عمليّة مفاوضات دامت سبع سنوات وسبب تأخر هذهِ العمليّة هو معارضة الدّول الأعضاء. وحتّى لو أنّهُ لا يزال يتوجب عليها الحصول على موافقة ثمان وثلاثين برلمانياً وطنيّاً وإقليميّاً من الدّول الأعضاء لكي تدخل حيّز التّنفيذ فإنّ الضّوء الأخضر من البرلمانيين سيسمح بتطبيقها بشكل جزئي اعتباراّ من 21 أيلول.
مرة أخرى، فإنّ أعداء CETA يعارضون هذا الإجراء بشدّة. سوف يتعلق فقط بالأحكام الّتي تندرج ضمن الصّلاحيّة الحصريّة للاتّحاد الأوروبي (أيّ أكثر من 90% من الاتّفاقية)، مماثلاً لتلك الّتي تخصّ الوصول إلى السّوق. وإنّ الجزء الأكثر إثارةً للجدل من عملية التّحكيم، والّذي يخصّ المحاكم الخاصّة المفروض عليها تسوية النّزاعات بين الشّركات متعددة الجنسيّات والدّول، لن يكون جزءاً منها. وبالتّالي فإنّ المجلس، والّذي لا يعارض هذا التّطبيق، يشير إلى أنّ الاتّفاق غير قابل للنّقض وأنّهُ لا يمسّ مجالاً متأصلاً بالسّيادة الوطنيّة، وخاصّةً أنّهُ من الممكن إنهاء هذا التّطبيق المؤقت في حالة استحالة التّصديق عليه من أيّ طرف. مع العلم أنّ البرلمانات الوطنيّة هي الّتي سيتوجب عليها إثبات النّص.
يحلل ذلك خبير بالنصوص الدّستورية قائلا: هذا القرار يتعلق فقط بدستوريّة الاتّفاق وليس بميثاقه أو فائدته فبما يخصّ أوروبا وفرنسا. والخطر يكمن في أنّ المؤيدين والمعارضين لهذا الاتّفاق يمنحونهُ أهميّة سياسيّة لا يملكها بالحقيقة.
لا يزال يلزم عدة سنوات قبل أنّ تقوم البرلمانات الوطنيّة والدّينيّة بدورها بتشريع CETA. ماذا سيحدث إذا قال أحدهم “لا”؟
من الصعب قول “لا” لأنّ هذا لم يسبق وأن حصل أبداً. وفي فرنسا تمّ انتقاد هذه الاتّفاقية بشدّة انطلاقاً من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين مروراً بعلماء البيئة. إيمانويل ماكرون، والّذي هو من مؤيدي CETA، وعد بإعادة النّظر في موقفه بما أنّ لجنة الخبراء قد اعتبرت رأيهُ سلبيّاً.
في السّادس من تمّوز سيقوم رئيس الوزراء إدوارد فيليب بتفصيل إقرارها. وستقوم كاتلين شوبرت، الخبيرة الاقتصاديّة في مجال البيئة والأستاذة الجامعيّة بمدرسة الاقتصاد بباريس، برئاسة لجنة من تسع خبراء، وهم أخصائيين في البيئة، بالزراعة، بالصحة، أو حتّى محامين متخصصين بالقانون الدّولي، والّذين ستكون مهمتهم أن يقدموا تقريراً في بداية أيلول.
لقد تمّ التّنازع مسبقاً على اللّجنة: FNH ومؤسسة الفيليبين، واللّذان يصرّان على إنشائها، يعتبرون أنّهُ لم يتم التّقيد بشروط تقييم مفيدة ونزيهة، ويطالبون بتعريفها بطرق مختلفة.