القيادي بالحزب الشيوعي السوري جون نسطة: الصحوة الإسلاموية تراجعت.. وانتخابات “مجلس الشعب” أضحوكة ومهزلة.. وقانون قيصر لن يسقط النظام

مقابلة مع المرصد السوري لحقوق الإنسان

الأزمة السورية مرت بمراحل وتطورات عديدة ومختلفة، وهذا ما أكده القيادي في الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) عضو هيئة التنسيق الدكتور جون نسطة. حيث يقول “نسطة”، في حوار خاص لـ”المرصد السوري”، إن “الانتفاضة الشعبية والسلمية ضد النظام الشمولي قوبلت بعنف شديد ومفرط، ما أدى إلى انشقاقات من قبل ضباط وجنود في الجيش والشرطة حملوا السلاح للدفاع عن المتظاهرين وحماية المدنيين وعرفوا باسم الجيش الحر، ولكن سرعان ما بدأت التدخلات الإقليمية بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، عبر إرسال عشرات الآلاف من الجهاديين الإسلامويين عبر حدود تركيا وغيرها من دول الجوار، ما دفع نظام الأسد إلى الاستعانة بحزب الله اللبناني أولا ثم بحليفته إيران ثانيا”.

وأضاف نسطة: “بهذا تحولت الانتفاضة إلى العسكرة والأسلمة، وجرى اختطاف الانتفاضة على أيدي الردة الرجعية وإدخال سورية في مرحلة جديدة خيبت آمال الشعب السوري وقسمته إلى ثلاث فئات: فئة تقف مع النظام، وفئة تقف مع المعارضة، وفئة رمادية تنتظر فوز أحد الفريقين”.

ووصف نسطة الحلَّ العسكري بـ”الفاشل”، لافتا إلى أنه بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 انتعشت الآمال بحل سياسي تفاوضي، إلا أن “الأمر تعقد مجددا بعد التحالف الكردي الأمريكي ودخول تركيا عسكريا واحتلال أجزاء من الشمال والشمالي الغربي من الأراضي السورية”.

وعن المفاوضات، قال نسطة: “نحن في انتظار أن يجري تفاهم دولي بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة وتركيا وإيران لدعم عملية التفاوض وإجبار النظام على الجدية في تقديم التنازلات المطلوبة”، إلا أنه أعرب عن عدم تفاؤله كثيرا في هذا المنحى، مضيفا: “ولذلك يجري الحديث عن تشكيل مجلس عسكري مدني يتولى قيادة المرحلة الانتقالية القادمة”.

وأضاف: “في الثاني من أكتوبر 2011، جرى الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني السوري في مدينة إسطنبول التركية، وقد جمع تنظيم الإخوان المسلمين وقوى إعلان دمشق وبعض المعارضين الأكاديميين والمثقفين في الخارج، ونصب نفسه الممثل الوحيد للمعارضة السورية، متجاهلا معارضة الداخل التي رفضت الدخول في مساومة مع النظام الحاكم بعد عرضه على هيئة التنسيق الوطنية الديمقراطية تسمية المحامي حسن عبد العظيم المنسق العام للهيئة نائبا لرئيس الجمهورية وعلى عضو المكتب التنفيذي الدكتور عبد العزيز الخير منصب وزير الخارجية”.

ولفت نسطة إلى تمسك الهيئة بمعارضتها السلمية بشعارات “لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الخارجي”، مضيفا: “وفي المقابل شجع المجلس الوطني ومن ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الوطنية على العنف وحمل السلاح، واستدعى التدخل العسكري من قبل تركيا والدول الغربية”. وأضاف: “الغرب خيب آمالهم ولم يتدخل، تاركا أمر الدعم بالمال والسلاح للسعودية وقطر وتركيا ودول خليجية أخرى، موفرا على نفسه الأعباء المالية وضحاياه البشرية، متبعا استراتيجية ترك العرب والسوريين والجهاديين وحزب الله يذبحون بعضهم البعض ويهدمون سورية لتصبح دولة ضعيفة وربما مقسمة لمدة قد لا تقل عن ثلاثين سنة قادمة، بغض النظر عمّن سينتصر في هذه الحرب العبثية، بحيث تصبح دولة الكيان الصهيوني آمنة ومطمئنة من دولة مجابهة مهمة على حدودها الشمالية هي سورية”.

ولفت جون نسطة إلى أنه بعد فشل هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي ورئيس المجلس الوطني في توقيع بيان تفاهم بشأن الحل السياسي السلمي، شن المجلس الوطني والائتلاف بشن حملة تخوين مدروسة بحق هيئة التنسيق، متهميْن إياها بالتعاون مع النظام الحاكم والعمالة له، بعد أن أصبح واضحا استعصاء الحل العسكري، وتحققت نبوءة هيئة التنسيق. وتابع: “الاتحاد الأوروبي رأى في هيئة التنسيق لقوى التغيير الديمقراطي، ندا متساويا مع الائتلاف الذي كان يعتبر نفسه الممثل الوحيد للثورة السورية، وبناءً على ذلك وعلى اتفاق فيينا 2، تكفلت المملكة العربية السعودية باستضافة مؤتمر للمعارضة السورية الذي شهد إقرار كافة الأطراف بأن الحل السياسي السلمي هو الحل الأفضل”.

وأضاف نسطة أنه في ظل مرحلة التآكل والانحدار الوظيفي السياسي للائتلاف والكشف عن مخالفات مالية ورشاوى وفضائح، بدأت عملية تصدع داخلية تجسدت باستقالات عديدة ضمت أسماء لامعة مثل ميشيل كيلو وسميرة المسالمة وسهير الأتاسي والدكتور وليد البني وأنور بدر وزكريا السقال وجورج صبرا وسمير النشار وغيرهم، لتتدهور سمعة الائتلاف بشكل متسارع، ومن هنا تشكلت فجوة سياسية على الساحة السياسية السورية، وكان لا بد من أن يتم ملؤها، وفق قوله.

وتحدث نسطة عن المبادرة السياسية الجديدة لهيئة التنسيق الوطنية والتي دعت إلى تشكيل جبهة وطنية ديمقراطية أو قطب ديمقراطي، وقال إن أطرافا سياسية متعددة تفاعلت مع المبادرة وتشكلت ما سُمى بـ”اللجنة التحضيرية لتشكيل الجبهة الوطنية الديمقراطية”، بهدف ضم قوى وأحزاب وشخصيات وطنية مستقلة، وبنفس الوقت قامت هذه اللجنة بعقد تفاهمات وتحالفات ونضالات مشتركة بينها وبين منظمة أمارجي-لجان الديمقراطية.

وبخصوص تصريحات بعض المعارضين السوريين بأن الحل الأخير في سورية بيد أمريكا، قال نسطة: “لا بد من الاعتراف بأن واشنطن لا تزال تشكل القطب الرئيس في عالم اليوم، اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، برغم صعود القطب الصيني المتسارع. الولايات المتحدة هي التي دعمت الكيان الصهيوني في كل مشاريعه العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه الشعب السوري”. وأوضح أنه “برغم تمركز روسيا عسكريا وسياسيا في مناطق سيطرة النظام وممارسة دورها الكبير في تقرير سياسيته، فإنها غير قادرة بدون التفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية على فرض الحل الذي تراه، ومن هنا تأتي قناعات بعض السياسيين والمعارضين بأن الحل بالنهاية بيد الأميركان، متغافلين عن دور الشعب السوري وقواه الوطنية الديمقراطية في النضال من أجل التغيير الديمقراطي وتحرير أراضيه وتحقيق وحدتها الجغرافية”.

وطالب جون نسطة بانسحاب كافة الجيوش والمليشيات الأجنبية من الأراضي السورية، متهما قسما من المعارضة الخارجية -وعلى رأسها الائتلاف- بـ”مباركة عملية الاحتلال التركي ومساعيه إلى تتريك الأرض السورية المحتلة بإدخال العملة التركية وفرض اللغة التركية في المدارس والتغيير الديموغرافي. وأضاف: “إننا في الوقت نفسه ندين المشاريع الإيرانية للتغلغل في أوساط المجتمع السوري وتغيير ثقافته، وعمليات امتلاك الأراضي والبيوت في العاصمة وغيرها من المناطق الحساسة”، مؤكدا أن “كل هذا الوجود الأجنبي جعل سيادة سورية واستقلالها في مهب الريح”.

وعن الانتخابات التشريعية، اعتبر المعارض السوري أنه على مدى خمسين عاما من حكم عائلة الأسد، شكلت الانتخابات التي يجريها ما يسمى بمجلس الشعب، أضحوكة ومهزلة في نظر السوري المضطهد المظلوم، لافتا إلى أن نتائجها محسومة قبل إجرائها، مضيفا: “هذا المجلس، برغم أنه لا يضم سوى أزلام النظام، فإنه لا يملك أي سلطة على السلطة التنفيذية، بل هو مجلس مصفقين”.

وأوضح أن النظام بدعوته إلى إجراء هذه الانتخابات يريد أن يؤكد شرعيته المفقودة، في حين أن خمسة ملايين من السوريين يعيشون لاجئين في دول الجوار: تركيا ولبنان والأردن وأيضا العراق، ومثلهم نازحون داخل سورية، إلى جانب حوالي ثلاثة ملايين يعيشون في إدلب الخارجة عن سلطة النظام.

واتهم جون نسطة النظام بتعطيل الحل السياسي وتحدي قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 القاضي بتشكيل هيئة حكم بالتراضي تتمتع بكامل حقوق السلطة التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية. وأكد أن اللجنة التحضيرية لتشكيل الجبهة الوطنية الديمقراطية أو القطب الديمقراطي ومنظمة أمارجي ستصدر بيانا يدين هذه الانتخابات، وتفند فيه كل مزاعم النظام وتدعو خلاله ما تبقى من الشعب على الأرض، إلى مقاطعتها، برغم الضغوط الأمنية المشددة.

وبخصوص النظام الأصلح لسورية، تحدث نسطة عن تجارب سورية السابقة، حيث مرت البلاد في عصر ما بعد الاستقلال بمرحلة ديمقراطية ليبرالية ناجحة، تقطعت في بعض مراحلها بحكم ديكتاتورية عسكرية، إلا أنها عادت في العام 1954 لتمارس المسيرة الديمقراطية، وشكلت مرحلة ما بين العام 1954 والعام 1958 المرحلة الذهبية في تاريخها الحديث، من مجلس نيابي منتخب بحرية إلى نشاط حزبي واع وحرية صحافة وتأسيس جمعيات ونوادي بكل الاختصاصات.

ويرى القيادي في الحزب الشيوعي، أن الأزمة المعيشية التي تطحن غالبية الشعب السوري مستمرة منذ زمن طويل بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجها النظام الحاكم منذ تولى السيد الدردري انتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادي واقتصاد السوق في العام 2010، مشيرا إلى أن الحرب الداخلية أنهكت بدورها البلاد ووصلت نسب الفقر والبطالة والفساد، إلى مراحل لم تعرف البلاد مثلها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث بلغت نسبة الفقر حاليا 85 بالمائة بين أفراد الشعب، وجاء قانون قيصر ليزيد الأمر سوءً، وفق قوله.

ولفت نسطة إلى أن القانون لن يضر الزمرة الحاكمة، فهي تعرف كيف تلتف على هذا القرار وتستمر في حياة البذخ والعيش الرغيد، على حساب الشعب المفقر المنهوب، معتبرا أن هذا القرار لن يُسقط النظام مثلما لم يسقط أنظمة سابقة ضُرب عليها الحصار الاقتصادي ككوبا وإيران ونظام صدام حسين، وفنزويلا حاليا، بل سيبقى عامة الشعب هو المتضرر الوحيد.

وردا على سؤال حول افتراضية دعم محادثات سلام مع “إسرائيل” لاستعادة هضبة الجولان المحتلة، قال نسطة: “نحن في الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، لا ندعم مفاوضات مع العدو الإسرائيلي المحتل لأراضٍ سورية، فموازين القوى مختلة لصالح إسرائيل، وهنا ندعو إلى تحرير كل الأراضي السورية المحتلة، بكافة الوسائل المشروعة دوليا: سلما أو مقاومة مسلحة، أو حربا إذا كانت الظروف متوفرة لذلك”.

وبخصوص الانتقادات التي توجّه إلى اليسار سواء في سورية أو في المنطقة، ردّ الدكتور جون نسطة بالقول: “منذ الثورة الإيرانية التي سيطر عليها الملالي بقيادة الخميني، تعيش سورية ما سمي بالصحوة الاسلامية التي كانت مدعومة أيضا وبنفس الوقت من النظام السعودي الذي وصف بالوهابي”، وأضاف أن هذه “الصحوة الإسلامية” نتج عنها توالد قوى ظلامية متأثرة بأفكار سيد قطب، مشيرا كذلك إلى ما تشهده المنطقة حاليا في العراق من موجة دينية شيعية تسلطت على الحكم، معتبرا أن ما أسماها بـ”الموجة الإسلاموية” بدأت في الانحسار والتراجع، خاصة مع سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر في 2013. وقال نسطة إن هذا التراجع سيفتح المجال واسعا أمام التيار اليساري ونهوضه من جديد، معبرا عن “تفاؤله بمستقبل اليسار عموما ومنه أيضا اليسار الماركسي”.

مصدر المقابلة: المرصد السوري لحقوق الإنسان