أحزاب اليمين الأوروبي وكورونا: تراجع مؤقت أم دائم؟

نادر عازر

تسبّبت جائحة فيروس كورونا باختلالات اقتصادية واجتماعية كبيرة في العالم، وخاصّة بعد الإجراءات التي اضطرت الحكومات الدولية لاتخاذها، وأدّت إلى تضرّر قطّاعات سياحية وتجارية وخدمية، وارتفاع في معدلات البطالة. هذا كلّه انعكس على السياسة، وخاصة في أوروبا، حيث بدأت شعبية الأحزاب اليمينية والقومية المتطرفة بالانخفاض التدريجي، بدل أن ترتفع.

إنّ إجراءات إغلاق الحدود الأوروبية للتخفيف من وطأة الجائحة، منعت دخول اللاجئين، الشحيح أساساً، ومع أنّها كانت أكثر ممّا تحلم به أحزاب اليمين المتطرف، لكن الأوروبيين تراجع اهتمامهم بقضايا الهجرة والجريمة، التي تغذّت عليها الأحزاب المتطّرفة منذ أزمة اللاجئين عام ٢٠١٥، مستغلّة خوف الناس للصق كل مشاكل المجتمع في رقبة المهاجرين، ولتعزيز الأفكار المسبقة حولهم، كل هذا في ظل يسار أوروبي غائب ومشتت ومنفصل عن الواقع المحيط.

جعلت جائحة كورونا من قضايا القطاع الصحي، والبطالة، وإنقاذ الاقتصاد، الهمّ الأول بالنسبة للأوروبيين، كما أظهرت أنّ للمهاجرين دوراً حيوياً في المجتمع وسوق العمل، وخاصة في القطاعات الصحية والزراعية والخدمية، وكشفت أيضاً أن أداء الأحزاب اليمينية المتطرفة كان سيئاً ومفلساً، سواء كانت في الحكومة كما في إيطاليا، أو في المعارضة كما في ألمانيا وإسبانيا والسويد، وأنها لا يمكنها تقديم شيء خارج إطار مهاجمة الأجانب.

على إثر ذلك أعاد الناس ثقتهم بالعديد من الأحزاب الحاكمة في القارة العجوز سواء كانت محافظة أو ليبرالية أو من يسار الوسط، بعد أن كانت شعبيّتها في مسار انحداري بشكل عام.

تكفي جولة سريعة على أرقام استطلاعات الرأي في الدول الأوروبية الأربع المذكورة أعلاه لمعرفة ميول مواطنيها الحالية.

إيطاليا:

في استطلاعات الرأي بإيطاليا، تراجعت شعبية حزب “رابطة الشمال” اليميني المتطرف بقيادة ماتيو سالفيني، إلى ٢٧ بالمئة في حزيران ٢٠٢٠، بعد أن كانت ٣٧ بالمئة في آب ٢٠١٩.

وكانت شعبية “رابطة الشمال” في خط تصاعدي مستمر بقوة، إذا ما قارنا نتائج استطلاعات الرأي بنتائج الانتخابات البرلمانية، التي أخذ فيها أكثر من ١٧ بالمئة عام ٢٠١٨، مستفيداً من أزمة اللاجئين في أوروبا عام ٢٠١٥، فيما كان قد حصل على ٤ بالمئة فقط في انتخابات عام ٢٠١٣.

وشهد الحزب المتطرف انخفاضاً غير مسبوق في شعبيته في معقله بإقليم لومبارديا الذي أصبح بؤرة لتفشي فيروس كورونا. بعد سوء إدارته للأزمة وللنظام الصحي، وتقليله بداية من خطر الفيروس، وإلقاء اللوم على المهاجرين، تبعها تقصير شديد في إجراء الفحوصات الطبية، وفشل في شراء معدات كافية للحماية، إلى جانب نشر نظريات المؤامرة حول أصول الفيروس.

إسبانيا:

بدأت شعبية الحزب اليميني المتطرف Vox بالهبوط في استطلاعات الرأي، وحصل على ١٥ بالمئة في شهر حزيران ٢٠٢٠، بعد أن كانت ١٧ بالمئة في شهر آذار ٢٠٢٠ فترة بدء تفشي كورونا.

رغم مسارعة حزب فوكس لتقديم خطة من عشر نقاط لمواجهة تهديد فيروس كورونا، لكنها لم تساعده، لأنها لم تقدم جديداً على اقتراحات الحكومة بقيادة الحزب الاشتراكي العمالي، إلى جانب غرقه في نظريات المؤامرة حول فيروس كورونا، واتهامه الحكومة الإسبانية بترك المواطنين المسنين يموتون من الفيروس.

واشتهر حزب فوكس بعد حيازته على ١٢ مقعداً في إقليم أندلسيا، ثم حصل بعدها على ١٠ بالمئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الإسبانية في نيسان ٢٠١٩، وبعد إعادة الانتخابات في تشرين الثاني ٢٠١٩ حصل على ١٥ بالمئة من أصوات الناخبين أي أكثر من ٣,٦ مليون صوت.

روّج حزب فوكس لنفسه كمدافع عن المناطق الأكثر فقراً في إسبانيا، مثل أندلسيا، وأنه سيوقف تدفق المهاجرين من القارة الأفريقية، وسيعيد النظام الدستوري في كاتالونيا، وسيحظر جميع “الأحزاب الانفصالية”، وسيجعل من إسبانيا “رائعة مرة أخرى”، وهاجم الاتحاد الأوروبي واتهمه بتشكيل تهديد أساسي لسيادة البلاد.

ألمانيا:

شهد الحزب اليميني المتطرف “البديل لألمانيا” انخفاضاً في شعبيته في استطلاعات الرأي، إلى ٩ بالمئة في حزيران ٢٠٢٠ بعد أن كانت ١٧ بالمئة في أيلول ٢٠١٩.

لم يقدم حزب “البديل” اقتراحات جديدة غير التي قدمتها الأحزاب الأخرى لمحاربة وباء كورونا في ورقة سياسية من عشر نقاط أيضاً، تضمّنت زيادة عدد الفحوصات الطبية، وإنتاج معدات حماية إضافية للعاملين الصحيين، وحماية المواطنين المعرضين لخطر.

وبحسب متابعة لموقع “فورين بوليسي” فإن التفاعل حتى مع منشورات “حزب البديل” انخفض إلى النصف على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة المتعلقة منها بأزمة كورونا.

وكان حزب “البديل” قد حصل على أكثر من ٤ بالمئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية عام ٢٠١٣، ليقفز إلى أكثر من ١٢ بالمئة في انتخابات العام ٢٠١٧، أي ما يزيد عن خمسة ملايين صوت.

في المقابل ارتفعت شعبية الائتلاف المسيحي الديمقراطي بقيادة ميركل إلى أرقام غير مسبوقة منذ ثلاث سنوات، إلى ٣٩ بالمئة في حزيران ٢٠٢٠ بعد أن كانت ٢٦ بالمئة في حزيران ٢٠١٩. وفي استطلاع آخر أظهر رضى ٨٠ بالمئة من الألمان على طريقة إدارة حكومة ميركل لأزمة كورونا.

السويد:

شهدت الحياة السياسة السويدية نزعة مشابهة، مع ازدياد اهتمام الناس بالقضايا الصحية والاقتصادية والبطالة، مقابل تراجع أهمية قضايا الهجرة والجريمة، وتراجعت معها شعبية حزب “ديمقراطيو السويد” اليميني القومي في استطلاعات الرأي إلى ١٧ بالمئة في حزيران ٢٠٢٠ بعد أن وصلت إلى ٢٥ بالمئة في كانون الأول ٢٠١٩.

وكان حزب “ديمقراطيو السويد” قد حصل على أكثر من ١٧ بالمئة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية عام ٢٠١٨، مقابل ١٣ بالمئة عام ٢٠١٤.

وفي المقابل ارتفعت شعبية “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” الحاكم في السويد بشكل سريع وكبير، إلى أكثر من ٣٣ بالمئة في أيار ٢٠٢٠، بعد أن كانت آخذة في الانخفاض المتواصل حتى وصلت إلى ٢٣ بالمئة في شباط ٢٠٢٠.

ختاماً، معروف أن استطلاعات الرأي مؤقتة وقابلة للتغير السريع، ولا يمكن الأخذ بها كمؤشر بعيد المدى، لكنها تعكس ميلاً شعبياً راهناً، وتُظهر القضايا التي تشغل بال الناس، كالصحّة والاقتصاد وسط تحذير العديد من الخبراء الماليين من ملامح أزمة، أو ركود يلوحان في الأفق، مقابل آراء ترجح عودة انتعاش الاقتصاد العالمي.

كل ذلك يؤكد أن الأزمة التي خلّفها فيروس كورونا لها تداعيات قد تمتد لتكون طويلة الأجل، وقد تُظهر خلافات كامنة تؤثر على الاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية، مع ازدياد الاتهامات الدولية للصين بتكتّمها على معلومات مهمة حول احتمال تسرّب فيروس كوفيد-١٩، بالخطأ، من مختبر في ووهان، إلى جانب اتهامات بالتضليل والتقصير لمنظمة الصحة العالمية.

المراجع:

موقع بوليتيكو للإحصاءات، وموقع فورين بوليسي.

من العدد ٤١ من جريدة المسار