الدكتور جون نسطة
في الثامن من أيار 2020 مرت الذكرى ال٧٥ للانتصار الكامل والسحق الشامل على الدولة الهتلرية الفاشية بدخول الجيش الأحمر السوفياتي إلى قلب برلين وتثبيت العلم الأحمر السوفياتي على مبنى الريايشتاغ (مجلس النواب)، بعد معارك استمرت خمسة وأربعين يوماً داخل المدينة فقط. وقد سبق ذلك بأيام انتحار الطاغية أدولف هتلر وغيره من القادة النازيين. أعقب الدخول السوفياتي إلى قلب برلين دخول قوات الحلفاء الأميركيين والبريطانيين إلى العاصمة الألمانية.
وبذلك انتهت مرحلة ظهور أعتى نظام عنصري مجرم ديكتاتوري مظلم في تاريخ البشرية قام على أساس نظرية عنصرية مفادها بأن الجنس الآري الجرماني هو الجنس الأفضل والمتفوق على كل الأجناس والشعوب الأخرى والمؤهل لقيادة العالم والقضاء على الأجناس الأخرى الدونية مثل الغجر واليهود والشعوب السلافية او استعبادها مع شعوب الشرق.
لقد قسمت النظرية الهتلرية البشر إلى صنفين بشر سادة وبشر ما تحت الصنف البشري (untermensch).
ودعت ونفذت القضاء على المعاقين بأصنافهم المختلفة، وعلى المثليين، وعملت على إنشاء مصانع بشرية لتكاثر الانسان الآري الاشقر صاحب العيون الزرق، بأن جلبت نساء من هذا النوع وأسكنتهم في بيوت خاصة ودعوة رجال من نفس الصفات لمعاشرتهم جنسيا للحصول على أكبر عدد من الأطفال الآريين.
وقامت هذه الدولة منذ أيامها الاولى في بداية العام ١٩٣٣ باعتقال مئات الآلاف من الشيوعيين ومن الاشتراكيين اليساريين وبعض رجال الدين المعارضين لها ووضعتهم في العديد من معسكرات الاعتقال مع استعبادهم بالعمل الشاق وتجويعهم بهدف إبادتهم او تعذيبهم وقتلهم. وهكذا مثلاً قتلت ٥٦ ألف شيوعي الماني وعلى رأسهم زعيمهم والشخصية العمالية النقابية البارزة أرنست تيلمان في معسكر بوخن فالد.
وفي معسكرات الاعتقال هذه تم إبادة عدة ملايين من اليهود الألمان وغير الألمان وخاصة من بولندا بالغاز أو بالتجويع أو بالقتل المباشر.
وأسرت الملايين من المدنيين من بولونيا وبلاد السوفييت للعمل في المصانع الحربية الالمانية بدون أجر مع تجويعهم أيضاً.
عند دخول الجيوش النازية الى الحدود السوفياتية في حزيران عام ١٩٤١ قامت بتنفيذ سياسة الأراضي المحروقة وهدم المدن والقرى وقتل السكان المدنيين. ثم تقدمت إلى محاصرة المدن الكبرى مثل لينينغراد التي عانت وصمدت تحت الحصار من 8 أيلول 1941 حتى 27 كانون الثاني 1944 ومات مليونين من سكانها من الجوع والعطش والقصف الناري، وكذلك فعلت ستالينغراد التي تحولت معركتها البطولية إلى نقطة تحول في مجرى الحرب العالمية الثانية. في هذه الحرب سقط ٦٠ مليون انسان بين عسكري ومدني وكانت حصة الاتحاد السوفياتي منهم النصف تقريباً.
يريد البعض ان يرجع النصر السوفياتي إلى الطقس البارد والوحول، ولكن في الحقيقة يعود النصر إلى صمود وشجاعة ومقاومة الشعوب السوفياتية، وإلى تفوق أجهزة الحرب ومنها الدبابة الروسية الأقوى والأسرع من الدبابة الألمانية، بالإضافة إلى القيادة العسكرية الحكيمة والرشيدة.
بالدخول العسكري إلى برلين تكون الحرب العالمية الثانية قد انتهت بغض النظر عن الجبهة اليابانية والتي انتهت بإلقاء القنابل الذرية القذرة على هيروشيما ونكازاكي في شهر آب 1945 غير المبرر عسكرياً وانسانيا ً من قبل الطائرات الأميركية.
وهنا لا بد أن نذكر بأن وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني، كان يرغب بمتابعة الحرب ولكن هذه المرة ضد الاتحاد السوفياتي، وعرض هذه الفكرة على الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت (توفي في نيسان 1945) الذي لم ترق له وامتنع عن دعمها.
احتفلت شعوب العالم البارحة في ٩ أيار ٢٠٢٠ وخاصة في أوروبا بهذه المناسبة العظيمة ولكن انتشار جائحة الكورونا منعت من قيام احتفالات شعبية تليق بالمناسبة. في برلين جرى احتفال مصغر، بعد أن كان مقرراً دعوة ألف ومائة شخص من الداخل والخارج، بمشاركة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وبعض ممثلي الولايات، وألقى رئيس الدولة شتاينماير كلمة هامة قال فيها إن انتصار الحلفاء يشكل بنفس الوقت “تحريراً للشعب الألماني من البربرية النازية التي قامت بأبشع الجرائم بتاريخ البشرية، والتي لا يمكن للتقادم أن يزيل ذكراها من ذاكرة شعبنا.”
هذا في الوقت الذي بدأت النازية الجديدة تطل برأسها من جديد على الساحة الألمانية بظهور حركات وخلايا ومجموعات عنصرية فاشية تقوم بمعاداة الأجانب وتدعو إلى ترحيلهم وتقوم بأعمال عدائية من قتل وإحراق محال ومنازل وأمكنة عبادة ومظاهرات هستيرية، يسمح لها مع الأسف من المحاكم المحلية، مدعومة من حزب ” البديل لألمانيا”، الذي أصبح متواجداً في البرلمان الاتحادي، وفي العديد من البرلمانات في الولايات.
وهذه الظاهرة الخطيرة ليست ظاهرة ألمانية وحسب وإنما ظاهرة أوروبية عامة مدعومة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي تدعو جميعها إلى سياسة الانغلاق على الخارج والتطهير العنصري، وتقييد المكتسبات الديموقراطية بحجج عديدة منها جائحة كورونا.
يقول علم الاجتماع الماركسي بأن الرأسمالية تشكل الحاضنة والمولدة عند الحاجة، للفاشية في حالة أزمتها. والرأسمالية تمر بمرحلة أزمة من خلال عجزها عن تقديم حلول لمشاكل العالم.
المجاعات والحروب والمهاجرين بالملايين في العالم أصبحت سمة العقود الأخيرة للبشرية، ومنها شعوبنا العربية، وفي طليعتها شعبنا السوري، الذي لا يزال، ورغم كل المآسي، يناضل، وهو يعاني من الجوع والبرد والظلام، من أجل حريته وانعتاقه من الديكتاتورية والاستبداد، ومن أجل تحرير أراضيه من الاحتلالات الأجنبية كافة، ومن أجل إخراج كافة القوات العسكرية غير السورية سواء منها الجيوش النظامية وغير النظامية، من الأراضي السورية، ومن أجل اغلاق القواعد العسكرية الأجنبية مهما كان الطرف السوري المعطي أو المسهل لذلك.