الدكتور جون نسطة
بقي العرب تحت سلطة العثمانيين من العام ١٥١٦ حتى العام ١٩١٨ في غربة طويلة عن العالم الغربي وتطوراته العلمية والفكرية والثقافية، بغض النظر عن حملة نابليون في العام ١٧٩٨ التي دقت بعنف ابواب التأخر العثماني، عندما جلب معه الطابعة العربية وكوكبة من العلماء والأدباء والمفكرين من كافة الاختصاصات وقاموا بوضع خارطة للساحل المصري ودرسوا اللغة الفرعونية بعد عثورهم على حجر رشيد، وحاولوا لمدة ثلاث سنوات الاحتكاك مع المصرين، لم يبق لهذه الحملة النابوليونية التي طرقت أسوار عكا بدون جدوى ايضا أثراً ذا أهمية كبيرة.
بعد انسحاب نابليون في القرن التاسع عشر بدأت تصل إلى العالم الإسلامي أخبار الوحدة الايطالية ونضالات الطليان التي استمرت من العام ١٨١٥ حتى العام ١٩٧١، وبرقت أسماء كافور وغيريبالدي على الساحة الدولية كأبطال للقومية الايطالية. وفي العام ١٨٧١ نفسه حقق المستشار بسمارك البروسي وحدة ألمانيا بعد نضالات طويلة عسكرية ودبلوماسية وخصوصاً بعد انتصاره الكبير على فرنسا في العام ١٨٧٠ في معركة سيدان.
القرن التاسع عشر كان قرن الوحدات القومية والوطنية للقارة الاوروبية.
هذه الاحداث كلها بدأت تصل الى الامبراطورية العثمانية التي كانت في سبات عميق، ففي العام ١٨٩٨ ظهر اول تنظيم سياسي في اسطنبول واسمه اتحاد عثماني وتطور إلى جمعية الاتحاد والترقي أسسه عدد من طلاب المدرسة العسكرية وبعض طلاب الطب، ثم ظهرت جمعية تركيا الفتاة التي توحدت فيما بعد مع جمعية الاتحاد والترقي وقاموا بانقلاب ١٩٠٨ في وطالبوا بحكم الدستور الخ .
الملفت في الموضوع إن عددا من الطلاب العرب في باريس قاموا في العام ١٩٠٩ بتشكيل تنظيم سياسي أطلقوا عليه جمعية العربية الفتاة بإيحاء من تركيا الفتاة:
وكان من مؤسسيها:
عوني عبد الهادي من فلسطين
رفيق التميمي من فلسطين
محمد البعلبكي من لبنان
محمد عزة دروزة من فلسطين
جميل مردم بك من سوريا
توفيق السويدي من العراق
محمد رستم حيدر من لبنان
نسيب البكري من سوريا.
وكان لهذه الجمعية دور في نشر الفكر العربي والثقافة العربية ومهدت لعقد المؤتمر العربي الاول في باريس عام ١٩١٣ برئاسة عبد الحميد الزهراوي، الذي استشهد شنقا في العام ١٩١٦ بأمر من الطاغية جمال باشا.
جمعية العربية الفتاة والمؤتمر العربي الاول ومجزرة ٦ أيار عام ١٩١٦ كانت المقدمات بإعلان الثورة العربية في ١٦ من حزيران بقيادة الشريف حسين من مكة المكرمة وبمساعدة من عدد من الضباط العرب المنشقين عن الجيش العثماني وعدد من المفكرين والثوار العرب الاخرين.
بعد الاعلان عن اتفاقية سايس بيكو عن طريق السلطة السوفيتية الحديثة والتي كانت طرفا فيه روسيا القيصرية، بدأت موجة غضب شديدة في الشارع العربي وقام البطل يوسف العظمة بخوض معركة ميسلون الغير متكافئة وهرب ملك سوريا الأول ثم أصبح له عرشاً في بغداد. ودخل الجنرال الفرنسي غورو منتصرا إلى دمشق عاصمة الأمويين. حاول هو وغيره من قادة الانتداب الفرنسي تقسيم سوريا إلى خمسة دويلات، وبمقاومة وصلابة الجماهير السورية فشلت كل هذه المحاولات. وقام كل بلد عربي بنضال، من سوريا إلى لبنان الى العراق، شاق يهدف الى الاستقلال، رغم أن السوريين في نضالهم من اجل الاستقلال، ظلوا يعتقدون بأن سوريا، (سايكس بيكو) هي وطن مؤقت لهم، ولم ينسوا هدفهم الأكبر بالوحدة العربية.
قامت في اوروبا في ايطاليا والمانيا أحزاب قومية متطرفة فاشية بقيادة موسيليني وهتلر. كان لها تأثير واضح في نشوء أحزاب سورية مثل الحزب الاجتماعي القومي السوري وفيما بعد حزب البعث العربي الذي نادى بالوحدة العربية وبأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة،
لم يقم هذا الحزب القومي إلى اليوم الإفصاح عن هذه الرسالة الخالدة.
وعلى كل حال أصبح شعار الوحدة العربية هو الشعار الذي التف حوله غالبية الجماهير العربية الذي أصبح هو الحل.
بعد فشل الوحدة العربية مع مصر وفشل البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق في اقامة دولة وحدوية، رغم توفر الظروف الموضوعية، والاهم بعد هزيمة حزيران الفاجعة، وبعد ظهور الاتحاد السوفياتي منذ زمن بعيد وتكون المعسكر الاشتراكي ونجاحاته الاقتصادية، بداء يظهر شعار الاشتراكية هي الحل، فهي الطريق إلى النهضة والوحدة العربية.
يريدون أن يبنوا الاشتراكية دون مصانع وورش عمل ودون طبقة عاملة ودون حركة نقابية ذات وزن وخبرات نضالية وبدون فكر نظري ماركسي واضح.
وبعد سنوات أيضا من الفشل من بناء الاشتراكية.
عادت الاصوات ترتفع أيضا متأثرة بأوروبا، منادية بالديموقراطية وبانها هي الحل أيضا لكل مشاكلنا. وانا أتساءل كيف لنا ان نبني مجتمعات ديموقراطية، ونحن منذ الصغر لم نحمل تقاليد وعادات وثقافة وادب ديموقراطي، لم نملك منظمات ومؤسسات ديموقراطية، ومعظم احزابنا هي احزاب غير ديموقراطية في الأهداف وبالبنية التنظيمية.
واخيرا وفي ظل جائحة كورونا بدأت اصوات من علماء اجتماع ومفكرين ورجال سياسة تقول بأن النظام الديموقراطي لم يتمكن من القيام بواجباته بالسرعة والتنظيم المطلوب، بعكس الصين مثلا بجهاز حكمها المركزي المنضبط.
المهمة الأساسية في العالم العربي هو كيف يتخلص من حكام وأنظمة فاسدة وديكتاتورية ومستبدة بنفس الوقت.
ولا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.