إليزابيث تسوركوف
مصدر الدراسة: مركز دراسات الشرق الأوسط
ترجمة هيئة التحرير
المقدّمة
ولّد الصراع في سوريا نقاشاً وجدلاً ساخناً. ونتيجة لذلك، أنتجَ أيضاً قدراً هائلاً من التحليل والرأي الذي سعى إلى وصف جذور النزاع، وأهميته المعنوية والسياسية، ووضعْ الحلول لتحسينه.
أحد الأبعاد الرئيسية للحرب في سوريا كان دور الجهات الفاعلة الخارجية. لقد كُتِبَ الكثير من الدراسات في دراسة تدخل الولايات المتحدة وروسيا، إلى جانب دور الجهات الفاعلة الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا والإمارات العربية المتحدة وقطر، في تشكيل معالِم ونتائج التطوُّرات على أرض. ومع ذلك، هناك قوة إقليمية في الشرق الأوسط لم تحظ باهتمام كافٍ من حيث دورها وتوجهها السياسي نحو الحرب في سوريا وهي “إسرائيل”.
تسعى الباحثة إليزابيث تسوركوف في هذه الورقة، وهي المرشّحة لتنال الدكتوراه في جامعة برينستون، إلى ملئ هذا الفراغ. تدرس تسوركوف بناءاً على قراءة للسياسة الإسرائيلية الداخلية، الجدل الدائر داخل إسرائيل حول سوريا، ومخاوف الأمن القومي الذي يثير هذا النقاش. وهي توثق أيضاً، استناداً إلى أبحاث مستفيضة، خطوات التدخل الإسرائيلي من 2011 إلى 2019.
يفخر مركز دراسات الشرق الأوسط بنشر هذه الورقة. لقد كان لدينا اهتمام طويل الأمد في سوريا منذ اندلاع الانتفاضة في 2011 وحتى اليوم. تفويضنا كمركز هو تعزيز بحث وتفاهم جديد حول مجتمعات وسياسات الشرق الأوسط. هذه الورقة تساعدنا تحقيق هدفنا. نأمل أن يستفيد القراء من نشرها.
نادر الهاشمي
مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، أستاذ مشارك في مركز الشرق الأوسط والسياسة الإسلامية، مدرسة جوزيف كوربل للدراسات الدولية، جامعة دنفر.
السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا 2011-2019
خضعت السياسة الإسرائيلية تجاه سوريا للتغييرات خلال الانتفاضة السورية وما تلاها من حرب أهلية. يتعلق هذا بمدى المشاركة الإسرائيلية المباشرة في الحرب. ومع ذلك، ظلت المبادئ التي توجه السياسة ثابتة، مع التركيز على ردع التهديدات المتصوَّرة لأمن إسرائيل من الساحة السورية، وكذلك استغلال التطوُّرات في سوريا لتحسين صورة إسرائيل الدولية وإضفاء الشرعية على احتلالها وضمها إلى مرتفعات الجولان.
تعتبر القيادة الإسرائيلية سياستها تجاه سوريا محايدة لأن إسرائيل لم تتبنّى موقفاً من نتائج الحرب الأهلية ولم تتدخل في الحرب لضمان نتيجة مفضلة. ومع ذلك، فإن الأطراف المتحارِبة في سوريا غالباً ما تنظر إلى إسرائيل على أنها متحالفة مع مصالحهم، ويمكن أن يشير كلاهما إلى القرارات والسياسات الإسرائيلية لتعزيز مطالبهم. تهدف هذه الورقة إلى تقديم تحليل شامل لسياسات الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بسوريا من عام 2011 إلى عام 2019، والمنطق وراءها، وتأثيرها على أرض الواقع.
السياسات الإسرائيلية تجاه نظام البعث قبل انتفاضة 2011
رسمياً، إسرائيل وسوريا في حالة حرب منذ تأسيس إسرائيل في عام 1948. وعلى الرغم من ذلك، فمنذ اندلاع حرب يوم الغفران تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، كانت حدود إسرائيل مع سوريا هي الأهدأ.
أقام نظام حافظ الأسد مع تجنُّب المواجهة المباشرة مع إسرائيل علاقة مع إيران وسمح للحرس الثوري الإيراني بتأسيس منظمة حزب الله الشيعية المسلحة في لبنان في عام 1982، ثم نقل الأسلحة إليها. أدّى الحفاظ على حدود هادئة مع إسرائيل مع دعم حزب الله بشكل غير مباشر إلى جعل واضعي السياسات الإسرائيليين ينظرون إلى نظام الأسد على أنه “الشيطان الذي نعرفه”، وهي عبارة صاغها رئيس الوزراء آرييل شارون.
أجرى العديد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين خلال التسعينات والألفينات جولات عقيمة من مفاوضات السلام مع نظام الأسد. فشلت المفاوضات، جزئياً، بسبب سوء التوقيت السياسي، والخلافات حول ترسيم حدود 4 حزيران/يونيو 1967 – الذي كان من المتوقع أن تنسحب إليه إسرائيل مقابل السلام مع سوريا – ورفضْ سوريا قطع العلاقات مع إيران و حزب الله. استمرَّ النزاع غير المباشر أثناء إجراء المفاوضات وبين جولات المفاوضات- وفي بعض الأحيان المباشر، ولكن غير المُعلَن – بين إسرائيل وسوريا. واصلَ نظام الأسد نقل الأسلحة إلى حزب الله، وشنَّت إسرائيل من حين لآخر هجمات في سوريا، وأبرزها اغتيال عماد مغنية، أحد كبار قادة حزب الله، في دمشق عام 2008 ، والهجوم على منشأة الكُبر النووية في سوريا، دير الزور في عام 2009.
سياسات إسرائيل في أعقاب اندلاع الانتفاضة السورية
الخوف من “شتاء إسلامي”
تبنَّت القيادة السياسية والعسكرية المحافظة لإسرائيل في أعقاب اندلاع الانتفاضات العربية ، مقاربة حَذِرة، مدفوعة بالغريزة لاستباق التهديدات بدلاً من تحديد الخيارات.
أعرب قائد الجبهة الداخلية في جيش الدفاع الإسرائيلي، الجنرال إيال أيزنبرغ، عن هذا الموقف في خطاب ألقاه في أيلول/سبتمبر 2011 قدَّم فيه تقييم جيش الدفاع الإسرائيلي بأن التهديد بحرب إقليمية قد زاد نتيجة للآثار المُزَعْزِعة للاستقرار الناجمة عن الانتفاضات، قائلاً “تسمّى انتفاضات “الربيع العربي” لكنها قد تتحول إلى شتاء إسلامي جذري”.
صرَّح العميد إيتاي برون، رئيس الاستخبارات في جيش الدفاع الإسرائيلي، وهي الهيئة الإسرائيلية الرئيسية المسؤولة عن صياغة تقييمات المخابرات، في خطاب ألقاه في الشهر نفسه بأنه “من الممكن أن تكون الأنظمة السياسية التي سيتم إنشاؤها في العالم العربي أكثر انفتاحاً وتعدُّدية، ولكن لا تزال هناك عوائق كبيرة أمام ظهور الديمقراطية على النّمط الغربي في العالم العربي”. وأضاف برون أنه على الرغم من أن المحتجّين في جميع أنحاء العالم العربي ليس لديهم أيديولوجية سياسية واضحة، فإن “العداء لإسرائيل يخدم بالفعل كقاسم مشترك” بين المحتجين في الربيع العربي. وفي آذار/مارس 2012، أعرب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أيضاً عن مخاوفه من صعود الإسلاميين بسبب الانتفاضات في جميع أنحاء العالم العربي، على غِرار أحداث ثورة 1979 في إيران.
تجنَّبت إسرائيل، بدافع من هذا النهج الذي يتسم بالخوف والحذر، طوَال الحرب الأهلية السورية برمّتها، اتخاذ موقف فيما يتعلق بنظام الأسد. أدان نتنياهو النظام بسبب فظائعه المتعلِّقة بحقوق الإنسان، لكنه لم يطالب الأسد بالتنحي أو بالتدخل الدولي لإزاحته عن السلطة. كما دعت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى تبنّي مثل هذا الموقف، لكن تمَّ رفضه من قبل مكتب رئيس الوزراء، والذي تمخَّض عنه في مداولات داخلية بأن مثل هذا البيان يخدم رواية الأسد بأن إسرائيل كانت من بين القوى المتآمرة ضد نظام “المقاومة” في دمشق.
الأسلحة الكيميائية
لطالما نظرت إسرائيل إلى مخزونات الأسلحة الكيميائية السورية كتهديد لأمنها. بعد آب/أغسطس 2012، عندما صرَّح الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا سيكون “خط أحمر”، استغلت إسرائيل البيان لحثها على اتخاذ إجراء أمريكي ضد النظام. وفي عام 2013، عندما بدأ نظام الأسد في استخدام الأسلحة الكيماوية في الهجمات المنخفضة الخسائر التي فضلت إدارة أوباما أن تتجاهلها، سرَّب المسؤولون الإسرائيليون معلومات استخبارية بشأن حركة الأسلحة الكيميائية في سوريا والهجمات التي ارتكبها النظام.
في أواخر آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2013، بعد أن نفذ نظام الأسد هجومه الأخطر على الأسلحة الكيماوية، منتهكاً بشكل صارخ “الخط الأحمر للرئيس أوباما”، دعمت إسرائيل انتقاماً أمريكياً محدوداً ضد نظام الأسد، ورأت أن تطبيق “الخطوط الحمراء” الأمريكية أمر مهم لردع إيران من تطوير أسلحة نووية. عندما تراجعت إدارة أوباما عن التزامها بتنفيذ الخط الأحمر، سعى المسؤولون الإسرائيليون بسرعة إلى استغلال الموقف لتحقيق هدف إسرائيلي مختلف: نزع تهديد سلاح الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد. يختلف المسؤولون الإسرائيليون في رواياتهم فيما يتعلّق بدور إسرائيل في اقتراح حل لنزع السلاح الخاضع للإشراف، لكن إسرائيل رحَّبت بحذر بالصفقة التي تمَّ التوصُّل إليها بوساطة روسية. عندما أصبح من الواضح أن نظام الأسد لم ينزع سلاحه بالكامل واستمرَّ في استخدام الأسلحة الكيميائية، لجأ المسؤولون الإسرائيليون مرة أخرى إلى تسريب المعلومات الاستخباراتية إلى المنافذ الغربية
2013: الخطوط الحمراء الإسرائيلية والمساعدات
حافظت إسرائيل في أول عامين من الانتفاضة، على سياسة عدم التدخُّل في الأحداث الجارية في سوريا. استندت هذه السياسة إلى الرأي القائل بأن الانتفاضة والحرب الأهلية اللاحقة كانت شأناً داخلياً، ومن غير المرجَّح أن يكون لها تأثيرات مباشرة على أمن إسرائيل. في البداية، قدَّر مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي أن الأسد سوف يسقط بسرعة. أثرت أيضاً الخبرة السابقة في لبنان، حيث تدخلت إسرائيل في حرب أهلية مستمرة وفشلت في تشكيل النتيجة المرجوة منها، على تفكير القادة الإسرائيليين. في عام 2013، عندما اقترب القتال من مرتفعات الجولان المحتلة، أوضحت إسرائيل علانية سلسلة من “الخطوط الحمراء” التي من شأنها أن تقودها إلى التدخل في سوريا لحماية مصالحها، وهي: إطلاق النار عبر السياج على مرتفعات الجولان أو إسرائيل، نقل أسلحة “تغيّر اللعبة” إلى حزب الله اللبناني مثل الصواريخ الموجّهة بدقة والأسلحة المضادة للطائرات والأسلحة الكيميائية، وإنشاء البنية التحتية الهجومية من قبل نظام الأسد وحلفائه في المناطق المتاخمة لسور مرتفعات الجولان.
في أواخر عام 2012 ، أقامت وحدة الاستخبارات البشرية التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي، والمعروفة باسم الوحدة 504، اتصالاً أوّلياً مع المتمرِّدين الذين يعملون حول بريقة في القنيطرة في أعقاب المبادرة الشخصية لأحد ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي للتحدُّث مع المتمرِّدين الذين رآهم عبر السياج. وفي 16 شباط/فبراير 2013، طلب أحد قادة المتمرِّدين الذين أقاموا علاقة مع المخابرات الإسرائيلية إجلاء سبعة من مقاتليه الذين أصيبوا في القتال مع قوات النظام. كانت هذه أول عملية إخلاء. ووفقاً للمعايير الأولية للصّفقة، زوَّد المتمرِّدون إسرائيل بالمعلومات الاستخبارية وحموا حدودها في مقابل الحصول على الرعاية الطبية والمساعدة الإنسانية المحدودة للقرى التي يسيطر عليها المتمردون في القنيطرة ومساعدة عسكرية محدودة للمتمرِّدين المحليين في جنوب سوريا. وكان الهدف من المساعدة هو خلق النوايا الحسنة بين المدنيين وبين والمتمردين وضمان الاستقرار على طول الحدود. هذه المساعدة الطبية المحدودة الأوَّلية للمقاتلين فقط ستتحول لاحقاً إلى مشروع إنساني أكبر بكثير يحصل من خلاله حوالي 12000 من المتمردين والمدنيين السوريين على الرعاية الطبية في المستشفيات والعيادات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان. قبل ذلك بفترة وجيزة، في عام 2012، بدأت إسرائيل في تنفيذ غارات جوية لتعطيل شحنات الأسلحة إلى حزب الله عبر سوريا.
الدبلوماسية العامة في إسرائيل- Hasbara
أبلغت وسائل الإعلام الإسرائيلية على الفور عن دخول المرضى السوريين إلى إسرائيل بشكل أوَّلي وعرضت تغطية متقطعة ومختلطة لعمليات الإجلاء الطبي الإضافية إلى إسرائيل. في البداية، كان المسؤولون الإسرائيليون يتردَّدون في التعليق على العملية، لكنهم على ما يبدو يدركون إمكانات العلاقات العامة، وبدأوا في منح وسائل الإعلام الوصول إلى المرضى السوريين، طالما تمَّ إخفاء هويتهم، لضمان سلامتهم عند عودتهم إلى سوريا. مع توسُّع عمليات المساعدات الإسرائيلية، توسَّعت حملة العلاقات العامة من حولها، حيث أنتج جيش الدفاع الإسرائيلي مواد بلغات متعدِّدة حول المساعدات التي تمَّ جلبها إلى سوريا عبر الجولان والمرضى الذين عُولِجوا في إسرائيل.
ترسيخ السيطرة على الجولان المحتل
كان الهدف الآخر لسياسة إسرائيل طوال الحرب هو زيادة القبول الدولي لاحتلال وضم مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل في عام 1967. وحتى عام 2019، لم تعترف أي دولة بضم إسرائيل للجولان. أدلى المسؤولون الإسرائيليون منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، واستغلال الاضطرابات في سوريا والوضع الدّولي المنبوذ لنظام الأسد، ببيانات علنية وخطوات رمزية، مثل عقد أول اجتماع لمجلس الوزراء في الجولان المحتل، بهدف الإشارة إلى أن إسرائيل سوف لا تتخلى عن السيطرة على الأراضي. دفعت إسرائيل بشكل خاص إدارتيّ أوباما وترامب إلى الاعتراف بضم إسرائيل. أسفرت هذه الجهود عن اعتراف غير مسبوق من قبل إدارة ترامب بضم الجولان في آذار/مارس 2019. زادت إسرائيل على أرض الواقع في الجولان، من جهودها لدمج المجتمع الدرزي في إسرائيل من خلال تشجيع الحصول على الجنسية الإسرائيلية والمشاركة في الانتخابات المحلية ، التي أجريت لأول مرة في مجتمعات الجولان الدرزية في تشرين الأول/أكتوبر 2018.
دفع الولايات المتحدة للتدخل
ظهرت خلافات بين صانعي السياسة الإسرائيليين في 2013-2015، فيما يتعلق بالنتيجة المفضّلة للحرب، عندما اكتسبت الجماعات الإسلامية والجهادية مكانة بارزة بين المعارضة المسلحة السورية وزادت إيران من مشاركتها في سوريا،. رأى البعض داخل جيش الدفاع الإسرائيلي والمؤسّسة السياسية أن الجماعات الجهادية هي التهديد الرئيسي لإسرائيل وتمنّوا أن يرى الأسد يستعيد سيطرته على سوريا. في حين رأى آخرون أن علاقات النظام الوثيقة مع إيران وحزب الله ونفوذهم المتزايد في سوريا هي التهديد الرئيسي. تتجلّى هذه الخلافات في تسريبات متناقضة بشأن مواقف إسرائيل من نظام الأسد
بينما توحّد المسؤولون الإسرائيليون إلى حدٍ كبير في اعتقادهم بأنه ليس دور إسرائيل هو التدخل في سوريا، فقد أيَّد البعض التدخل الأمريكي لدعم المتمرِّدين السوريين أو معاقبة نظام الأسد على تجاوزاته. عندما توقع المسؤولون الإسرائيليون الإطاحة بنظام الأسد بحلول منتصف عام 2013، دفع المسؤولون الإسرائيليون الولايات المتحدة من أجل مزيد من المشاركة مع المعارضة المسلحة للسّماح لإدارة أوباما بتشكيل نتيجة الحرب. مع تطرُّف المعارضة وتنامي التورُّط الإيراني في سوريا نيابة عن نظام الأسد، فضَّل بعض المسؤولين الإسرائيليين أن تستمر الحرب، حيث يرون أن كلا الطرفين معادٍ لإسرائيل.
في منتصف عام 2013، بدأت غرفة عمليات سرية تتألف من العديد من أجهزة الاستخبارات الغربية بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية والمخابرات الأردنية والمخابرات في الخليج العربي المعروفة باسم قيادة العمليات العسكرية (MOC) في نقل المساعدات إلى فصائل الجيش السوري الحر العاملة في جنوب سوريا. وفي أوائل عام 2014، وسَّعت (MOC) بشكل كبير من تقديم المساعدات وبدأت أيضاً توفير التدريب لمقاتلي الجيش السوري الحر. رافقَ هذا التوسُّع النوعي والكمي في المساعدة تشكيل الجبهة الجنوبية، التي توحَّدت من خلالها عشرات من فصائل الجيش السوري الحر العاملة في جنوب سوريا. من خلال السيطرة على صرف الرواتب والأسلحة ، تمكنت (MOC)من وضع ما يشبه السيطرة الموحَّدة، ولكن الأجنبية، على الجبهة الجنوبية. دفع غياب الجماعات السلفية أو الجماعات الجهادية في الجبهة الجنوبية المسؤولين الإسرائيليين إلى اعتبار هذا التجمُّع قوة إيجابية يجب دعمها. ومع ذلك، لم تنجح الجهود الإسرائيلية لإقناع إدارة أوباما بزيادة الدعم للجبهة الجنوبية.
حماية دروز قرية “الحضر”
من عام 2014 إلى منتصف 2018، بقيت فقط قطعة صغيرة من الأرض على طول السياج مع الجولان المحتل تحت سيطرة نظام الأسد. شملت هذه المنطقة بلدة الدروز في حاضر. انضمَّ دروز حضر على عكس الدروز في السويداء الذين تهربوا إلى حد كبير من الخدمة العسكرية واختاروا سياسة الحياد في الحرب الأهلية، إلى الميليشيات الموالية للنظام بأعداد كبيرة. أصبحت الحضر مكانًا للتجنيد والتنظيم لشبكات حزب الله. قاد سمير القنطار، وهو ناشط لبناني درزي أدِين بقتل عائلة إسرائيلية واثنين من رجال الشرطة الإسرائيليين في شمال إسرائيل في عام 1979 وأطلق سراحه فيما بعد في تبادل بين إسرائيل وحزب الله، هذه الشبكة حتى اغتالته إسرائيل في عام 2015. وتمَّ شنّ هجومان على الأقل ضد القوات الإسرائيلية من بلدة الحضر.
على الرّغم من وجود شبكات حزب الله في الحضر ومبادرات إسرائيل الفاشلة مع سكانها، حذرت إسرائيل المتمرِّدين السنّة من مهاجمة البلدة، سرَّاً وعلناً. إن هذا القرار بحماية بلدة ذات وجود لحزب الله يوضِّح تأثير المجتمع الدرزي على صنع القرار الإسرائيلي. ينبع هذا التأثير، إلى حدٍ كبير، من القوة السياسية للطائفة الدرزية في إسرائيل، والتي تضم في صفوفها العديد من الناخبين من الأحزاب اليمينية (الحاكمة)، والمسؤولين المنتخبين، وقادة الجيش الإسرائيلي رفيعيّ المستوى.
روسيا تتدخل
كان قرار روسيا بالتدخل المباشر في حرب سوريا في أيلول/سبتمبر 2015 موضع ترحيب في البداية من قبل بعض قادة إسرائيل الذين كانوا يأملون أن تتمكن روسيا من سحب الأسد من مدار إيران . بيد أن الأسد استغل التدخل للتلاعب بإيران وروسيا عن بعضهما البعض لاستخراج نفس القدر من المساعدة لتحقيق أهدافه العسكرية. أنشأت إسرائيل وروسيا قبل تدخل روسيا بفترة وجيزة، آلية لإزالة النزاع للسماح للطائرات الإسرائيلية بمواصلة العمل في المجال الجوي السوري. ولكن لم يتم الكشف عن تفاصيل الاتفاقية. نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية الخطوط العريضة الأكثر شمولاً للصفقة، مشيرة إلى بطاريات S-300 و S-400 التي يديرها أفراد روس في سوريا: “ستبلّغ إسرائيل روسيا في وقت مبكر بنيتها في العمل في سماء سوريا. وسيكون الإشعار عاماً ولن يتضمن تفاصيل العملية. في المقابل، لن تزاحم روسيا في طائراتها طائرات سلاح الجو (الإسرائيلي) ولن تشغّل أنظمة دفاعها الجوي في سوريا، بما في ذلك البطاريات المتقدمة S-300 و S-400. “47. يمكن لإسرائيل بموجب هذا الاتفاق، أن تشنّ ضربات ضد أهداف إيرانية في سوريا، بما في ذلك شحنات الأسلحة إلى حزب الله اللبناني وهي تمرّ عبر سوريا إلى لبنان. ومع ذلك، فإن الكرملين المهتم باستقرار حكم بشار الأسد، حذر إسرائيل من مهاجمة أهداف نظام الأسد.
سعى المسؤولون الإسرائيليون اعترافاً بتزايد نفوذ روسيا في سوريا، إلى إقامة علاقة عمل وثيقة مع القيادة العسكرية والسياسية الروسية. وأوفدت إسرائيل عشرات الوفود رفيعة المستوى إلى روسيا، بما في ذلك لقاءات متعدِّدة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ضغط المسؤولون الإسرائيليون في هذه الاجتماعات، التي عقدت في عامي 2016 و2017، على الروس لحماية ما تعتبره الحكومة الإسرائيلية مصالح حيوية في سوريا – لا سيما منع إقامة وجود إيراني طويل الأجل في سوريا ووقف نقل الأسلحة إلى حزب الله. أجرى المسؤولون الإسرائيليون اجتماعات مماثلة مع مسؤولي إدارة أوباما وترامب. وبدت روسيا غير مهتمة أو غير قادرة على الحَدْ من النفوذ الإيراني في سوريا، في الوقت التي بدا أن إدارتي أوباما وترامب انفصلت إلى حد كبير عن سوريا.
استعادة النظام جنوب سوريا
تمكّن نظام الأسد بفضل الدعم العسكري من روسيا وإيران بدءاً من العام 2016، من عكس مسار الحرب 2016. حيثُ تمّت استعادة العديد من الجيوب التي يسيطر عليها المتمرِّدون والمناطق التي تسيطر عليها داعش، بما في ذلك شرق حلب وشمال حمص وجبال القلمون ودير الزور والغوطة الشرقية ومنطقة وادي بردى من قبل نظام الأسد في الفترة من 2016 إلى 2018. وفي صيف عام 2017، أصبح من الواضح أن النظام سيسيطر في النهاية على جنوب سوريا. حاولت إسرائيل قبل الهجوم الذي يلوح في الأفق، تأمين مصالحها، وعلى رأسها منع وجود القوات الإيرانية والميليشيات التي تدعمها إيران في جنوب سوريا. وطالبت إسرائيل بمنطقة عازلة طولها 60 كيلومتراً لن يسمح فيها للقوات الإيرانية بالعمل.
تزايد التدخُّل
في البداية ، بدا أن روسيا وإدارة ترامب لا تستجيبان للمطالب الإسرائيلية بمنع وجود القوات الإيرانية في جنوب سوريا. واستشعرت أن روسيا والولايات المتحدة لن تحمي المصالح الإسرائيلية في سوريا. وفي صيف عام 2017، تحوَّلت إسرائيل إلى سياسة تدخلية أكثر فعّالية، حيثُ ضربت الأهداف الإيرانية داخل العمق السوري وبوتيرة أكبر. بالإضافة إلى ذلك، زادت إسرائيل من تقديم المساعدات الإنسانية للمجتمعات في جنوب غرب سوريا والجماعات المتمرِّدة التي تسيطر على هذه المناطق.
وفي الوقت الذي أعلنت إسرائيل عن المساعدات الإنسانية، ظلت مساعداتها العسكرية للجماعات المتمرِّدة سرية. ومنع الرقيب الإسرائيلي نشر تقارير عن المساعدة العسكرية الإسرائيلية في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ما لم يذكر “مصادر أجنبية”. ووفقاً للمتمرِّدين والصحفيين والمدنيين السوريين في جنوب سوريا، وصلت المساعدات العسكرية الإسرائيلية للمتمردين إلى ما لا يقل عن 12 مجموعة مختلفة تعمل في القنيطرة ودرعة الغربية والأطراف الجنوبية الغربية لريف دمشق، والتي تضم عدة آلاف من المقاتلين. وشملت المساعدة توفير الأسلحة الخفيفة والمركبات والرواتب وأموال لشراء الأسلحة من السوق السوداء، والعلاج الطبي. كما تلقت الجماعات التي شاركت في القتال ضد جماعة داعش المحلية التابعة لجيش خالد بن الوليد، الدعم في شكل ضربات صاروخية وطائرات بدون طيار إسرائيلية على قادة داعش ومركباتها وتحصيناتها. وبالمقابل لم تحصل الجماعات التي تنفذ عمليات هجومية ضد نظام الأسد على دعم مماثل. في الوقت نفسه، أوضح المسؤولون الإسرائيليون أنهم لم يعارضوا بقاء الأسد في السلطة، لكنهم فقط عارضوا علاقته بإيران.
لم تنجح الجهود التي بذلها نشطاء المعارضة السورية داخل وخارج البلاد، وقادة المتمرِّدين، والمجالس المحلية في جنوب سوريا لتشجيع إسرائيل على توسيع مشاركتها في الحرب بطريقة أكبر بحيث يتغيّر ميزان القوى لصالحهم. كما كانت المساعدات العسكرية والإنسانية الإسرائيلية، حتى في أوجها، محدودة للغاية. وأعلن المتمرِّدون في جنوب سوريا أنهم غير قادرين على تأمين الدعم من إسرائيل. واقتصرت المساعدات الإسرائيلية جغرافيا على القنيطرة ودرعة الغربية والأطراف الجنوبية الغربية لدمشق. وأيضاً رفضتْ إسرائيل المقترحات المقدَّمة من السكان المحليين في القنيطرة والنشطاء السوريين في المنفى للسماح بتصدير المنتجات الزراعية من جنوب سوريا إلى إسرائيل. كما رفضت إسرائيل تنفيذ منطقة حظر الطيران في جنوب سوريا، على الرغم من نداءات السوريين المتمركزين في القنيطرة ودرعا وكذلك في المنفى.
انجاز صفقة
من الواضح أن سياسة إسرائيل الأكثر تدخلاً قد أقنعت موسكو بالوعد بمنع وجود القوات الإيرانية على بعد 85 كيلومتر من الجولان في مقابل موافقة إسرائيل على استيلاء النظام على جنوب سوريا. كان الاتفاق لا يزال قيد التفاوض حيث شنَّ النظام في حزيران يونيو 2018، هجومه على جنوب سوريا، مع التركيز في البداية على شرق درعا، وهي المنطقة الأكثر بُعداً عن إسرائيل. شاركت القوات المدعومة من إيران في الهجوم، لكن غالبية القوات كانت من سوريا. حدث قتال بسيط على الأرض، واستعاد النظام الجنوب بأكمله الذي يسيطر عليه المتمرِّدون في شهر واحد، بعد أن أدرك المتمرِّدون أنهم لن يتلقوا مساعدة أمريكية أو حماية إسرائيلية. فضَّل المتمرِّدون الاستسلام للنظام لحماية بلداتهم وعائلاتهم ومدنهم وحيواتهم. وقد فضّلت أقلية من المتمرِّدين الذين يعملون في الجنوب النزوح إلى آخر جيب يسيطر عليه المتمردون في شمال سوريا، بدلاً من الاستسلام.
النقاش الداخلي والتخلي عن المتمردين
كان قرار التوصُّل إلى اتفاق مع روسيا والسماح لنظام الأسد باستعادة جنوب سوريا قراراً مثيراً للجدل داخل المؤسَّسة الإسرائيلية. ففي حين أن الجميع داخل المؤسَّسة شاركوا الرأي القائل بأن الأسد كان ينتصر في الحرب، اعتقد البعض أنه سيكون من المُمكن تأخير هذا الاستيلاء لتحقيق تنازلات أكبر من روسيا ونظام الأسد على شكل إخراج القوات الإيرانية من سوريا بأكملها، وليس فقط الجنوب. بينما عارضَ آخرون، وخاصّة القيادة العليا لجيش الدفاع الإسرائيلي والقيادة الشمالية المشاركة في تقديم المساعدات لجنوب سوريا الصفقة، بسبب الخوف على مصير المجتمعات والمتمرِّدين الذين اعتمدوا على الدعم الإسرائيلي. طلبت إسرائيل كجزء من المفاوضات مع الكرملين عدم معاقبة من تلقوا المُسَاعدة منها. كما طلبت إسرائيل السماح للمتمرِّدين الذين تدعمهم، ولا سيما فرسان الجولان، بالبقاء في منازلهم والعمل كقوة محلية، على غرار الاتفاق الذي تم التوصُّل إليه لمجموعة متمرِّدة كانت تدعمها إسرائيل في بيت جن بالقرب من جبل حرمون. في النهاية، سادت داخل المؤسسة الإسرائيلية العناصر الداعمة لفك الارتباط مع جنوب سوريا، وخيبة أمل وصدمة المتمرِّدين السوريين والمدنيين في الجنوب الذين جاءوا إلى إسرائيل كحليف. تجاهلت إسرائيل إلى حد كبير مناشدات القادة والمقاتلين الذين تدعمهم إسرائيل بالسماح لهم بالعبور إلى بر الأمان في إسرائيل، باستثناء ثمانية من قادة المتمردين وعائلاتهم.
تضييق مساحة المناورة
أسقطت الدفاعات الجوية للنظام طائرة نفاثة روسية بالخطأ في 17 أيلول/سبتمبر 2018، رداً على غارة إسرائيلية أخرى، هذه الغارة كانت بالقرب من اللاذقية، ممَّا أسفر عن مقتل أفراد الطاقم الـ 15 على متنها. استغلَّ الكرملين، الذي يشعر بقلق متزايد إزاء التأثير المزعزِع للاستقرار على نظام الأسد من جراء الضربات الجوية الإسرائيلية، الفرصة لفرض قيود جديدة على قدرة إسرائيل على العمل في سماء سوريا.
زوَّدت روسيا الجيش السوري بعد سنوات من التأخير، ببطاريات نظام الدفاع الصاروخي S-300 المتقدِّم، والذي كان يُستخدم حتى أيلول/سبتمبر 2018 فقط من قبل القوات الروسية في سوريا. ستُغلِق القوات الروسية، كجزء من الاتفاق مع إسرائيل، راداراتها عند تلقي إخطار من إسرائيل بشأن هجوم إسرائيلي مخطَّط له. لم تعد القوات الروسية منذ وقوع حادث إطلاق النار، وفي تغيير في السياسة، تغلق أجهزة الرادار، ولكنها أيضاً لا تغلقها على الطائرات الإسرائيلية العاملة في المجال الجوي السوري. كما طالبت روسيا بأن تقدِّم إسرائيل أوقات إخطار أطول قبل العمليات العسكرية والموقع العام للعمل، وهو مطلب تخشى إسرائيل أن يسمح للإيرانيين بإخفاء الأهداف.
كان من المقرَّر تسليم أنظمة S-300 إلى القوات السورية في آذار/مارس 2019، بعد الانتهاء من التدريب عليها. لقد تدرب الطيارون المقاتلون الإسرائيليون على التهرب من أنظمة S-300 في قبرص، لكن حتى الآن لم يضطروا إلى اختبار تلك المهارات في ساحة المعركة.
بينما تحاول إسرائيل تجاوز القيود المتزايدة التي تفرضها روسيا على حريتها في العمل في سوريا، يبدو أن إيران تحوِّل عملها في سوريا إلى الاعتماد المتزايد على رجال الميليشيات والمقاتلين السوريين وإدخالهم في هياكل النظام العسكرية. أدّت رغبة روسيا في دعم الدولة السورية – على حساب الميليشيات – إلى حل ميليشيات متعدِّدة أو تخفيض في صفوفها، بما في ذلك تلك التي تدعمها إيران. ومع ذلك، تواصِل وسائل المعارضة السورية الإبلاغ عن عمليات التجنيد التي تقوم بها الميليشيات التي يدعمها الحرس الثوري الإسلامي، مثل حزب الله اللبناني واللواء 313. بعض هذه القوات على الأقل جزء من الوحدات العسكرية السورية لتجنب اكتشافها من قبل روسيا، خاصة في جنوب سوريا، حيث وعدت روسيا بإبعاد القوات الإيرانية. يجعل هذا التكامُل الروسي المتعمق مع القوات السورية من الصّعب على إسرائيل تحديد واستهداف القوات الإيرانية على وجه التحديد فقط، بطريقة تتجنّب زعزعة استقرار نظام الأسد وانتهاك الخطوط الحمراء لروسيا.
أكّد المسؤولون الإسرائيليون مجدَّداً في أعقاب إعلان الرئيس ترامب في كانون الأول/ديسمبر 2018 عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، والذي تمَّ تفسيره على نطاق واسع على أنه نعمة لإيران، أن إسرائيل ستواصِل ضرب الأهداف الإيرانية في سوريا. تواصِل الطائرات الإسرائيلية تنفيذ ضربات ضد عمليات نقل الأسلحة إلى حزب الله، وهي سياسة سابقة على 2011.
استنتاج
تجنَّبت إسرائيل طوال الانتفاضة السورية والحرب الأهلية التدخّل في سوريا بطريقة يمكن أن تغير مسار الصراع. وحتى في أوج تدخلها، في أواخر عام 2017 إلى أوائل عام 2018، لم تكن الغارات الجوية الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية ومساعدة مختلف الجماعات المتمرِّدة تهدف إلى تغيير ميزان القوى في الحرب، ولكن فقط لحماية المصالح الأساسية للأمن القومي لإسرائيل. إن قيادة إسرائيل، التي تركت المحاولة الفاشلة للتأثير على نتيجة الحرب الأهلية اللبنانية وإبرام معاهدة سلام مع لبنان، ندوباً كثيرة، ترغب في الحَدَّ من مشاركتها المباشرة في سوريا. وتمَّ مراراً رفض الجهود التي تبذلها فصائل المعارضة السورية والناشطين لزيادة المشاركة الإسرائيلية في الحرب، من قبل صانعي السياسة الإسرائيليين.
وبدلاً من ذلك، سعت إسرائيل إلى التأثير في مسار الحرب بشكل غير مباشر، من خلال الحوار مع الولايات المتحدة والكرملين. إن قرار إدارتي أوباما وترامب بالانسحاب التدريجي من سوريا قد حدَّ من قدرة إسرائيل على التأثير على الواقع على الأرض. في الوقت نفسه، لم يحقق الحوار مع روسيا سوى نتائج جزئية تمنح إسرائيل الحق في العمل ضد أهداف إيرانية فقط في سوريا، ولكن ليس بطريقة تزعزع استقرار نظام الأسد.
إن الخاسرين الرئيسيين في الحرب السورية هم بلا شك مدنيون سوريون، فقدوا أرواحهم أو أطرافهم ومنازلهم ومصادر رزقهم. ومع ذلك، فإن إسرائيل تبرز كواحدة من الخاسرين الرئيسيين للحرب، حيث يعيد نظام الأسد تأكيد نفسه، ويعتمد على إيران أكثر من أي وقت مضى، وتحميه روسيا، التي تتمثل أولى أولوياتها في تثبيت نظام الأسد، وليس مواجهة النفوذ الإيراني في البلاد. إن قرار الرئيس ترامب بالانسحاب من النزاع السوري، والذي تجلّى في قرار سحب القوات الأمريكية في أواخر عام 2018، قلّل من مساحة إسرائيل لمزيد من المناورة. بالنظر إلى المستقبل، من المحتمل أن يقتصر تدخل إسرائيل في سوريا ما بعد الحرب على الضربات ضد الأصول الإيرانية والتواصل الدبلوماسي مع روسيا. تحاول إسرائيل من خلال الضربات على الأهداف الإيرانية، والتي تنفَّذ في بيئة تشغيلية مقيدة بشكل متزايد، ثني إيران عن الاستثمار في بناء قواعد دائمة في سوريا والحفاظ على مسار إمداد نشِط يمر عبر سوريا. إضافة إلى ذلك، تعمل إسرائيل مع موسكو على أمل أن تكون روسيا مهتمَّة وقادرة على إقناع نظام الأسد بتقليص موطئ قدم إيران في سوريا. حتى لو نجحت تلك الجهود، وهو ما يبدو غير مرجح، تواجه إسرائيل في عام 2019 حزب الله ذو القوة العسكرية والشجاعة السياسية.