شبح النازية يطل مجدداً في سماء ألمانيا؟

د. جون نسطة

في ليلة الأربعاء ١٩ شباط ٢٠٢٠ قام رجل ألماني عمره ٤٣ سنة بإطلاق الرصاص من مسدسه عيار ٩مم على رواد مقهى للشيشة وكشك في وسط مدينة هاناو التي تبعد عن مدينة فرانكفورت ٢٥ كلم، فقتل تسعة أشخاص منهم خمسة أكراد والبقية أتراك وعرب، ثم وجد مقتولاً مع والدته في منزله ولا نعرف إلى اليوم كيف ومتى.

هذه الجريمة العنصرية النكراء هزت المجتمع الألماني بأسره، وكان وقعه كالزلزال. 

وسرعان ما قام كل السياسيين ومن كل الأحزاب، ما عدا حزب البديل لألمانيا الذي يعتبر المطبخ الخلفي لأفكار التطرف اليميني والعنصرية والتعصب القومي، بإدانة هذه الجريمة العنصرية أشد الادانة ودعوا في الوقت نفسه للبحث عن الأسباب والدوافع الكامنة وراء مثل هذه الحوادث، التي تكررت مراراً في الفترة الأخيرة….من اغتيال رئيس حكومة في ولاية لانه كان يتعاطف مع اللاجئين، إلى الهجوم على كنيس يهودي في مدينة هالي ومقتل شخصين كانوا يقفون على بابه من غير اليهود. 

وقام رئيس الدولة الاتحادي شتاينماير بالذهاب صباحاً إلى مكان الحادث برفقة رئيس وزراء ولاية هسن، وألقوا كلمات تدين الجريمة العنصرية وتستنكرها، وتقديم التعازي لأهالي الضحايا وإعلان التضامن معهم والاستعداد لتقديم كل أشكال المعونات. 

وقامت المستشارة الألمانية ميركل بتوجيه كلمة، من أفريقيا الجنوبية، حيث كانت هناك بزيارة رسمية، أعلنت فيها عن حزنها واستنكارها للجريمة. ووصفت التطرف اليميني بالسم الزعاف لألمانيا. 

وقامت مظاهرات ومسيرات ووقفات استنكار عمت أكثر من خمسين مدينة وبلدة ألمانية وخصوصاً في مدينة هاناو. وبقيت الصحافة وكل وسائل الإعلام تندد بالجريمة وتتساءل عن الأسباب والدوافع العميقة التي تقف خلفها، وهل عاد شبح النازية يطل مجدداً في سماء ألمانيا؟

والمتابع للأحداث لا بد أن يشير إلى الحركات والأحزاب التي نشأت في ألمانيا التي تعادي السامية والإسلام السياسي وحركة النزوح الكثيفة للبلاد. 

فقامت منذ فترة طويلة حركة يمينية تدعى بيغيدا بتنظيم مظاهرات احتجاجية واسعة وخصوصاً في مدن ألمانيا الشرقية سابقاً، تندد بسياسة ميركل باستقبال للاجئين العرب والسوريين. ثم أسس حزب البديل ذات التوجهات الفكرية اليمينية بل أحيانا النازية، وفاز بالانتخابات للدخول الى البرلمان الاتحادي وحصوله على ٧٨ مقعداً، وجرى تمثيله في كل المجالس النيابية للولايات الألمانية. 

إن النهوض اليميني المتطرف الشعبوي في ألمانيا جاء مترافقا لنفس النهوض في دول أوروبية عديدة مثل فرنسا وهنغاريا وبولونيا والنمسا وغيرها، وبدأ يشكل هاجساً واقعياً للقوى الديمقراطية، التي تربط بين هذا النهوض في أوروبا مع توجهات ترمب في الولايات المتحدة الأمريكية. 

وبالرجوع إلى ألمانيا فإن مؤسسات البحث العلمي في الجامعات وغيرها من من مراكز البحوث والدراسات العلمية بدأت تدرس هذه الظواهر الاجتماعية وتعقد المقارنات بين الوضع الحالي وبين الوضع في جمهورية فايمار حيث ظهر هتلر وحزبه النازي على الساحة واستيلائه على السلطة. 

ويوم الإثنين الماضي قام ألمانياً عمره ٢٩سنة بدهس تجمع بشري كبير يحتفل بالكرنفال، بسيارته، مما أدى إلى إصابة ٦٠ من الجمهور بينهم أطفال بجروح وكسور. وهو أيضاً أصابته برضوض أدت إلى جعله غير قابل للتحقيق معه ومعرفة دوافعه التي ترجح أوساط واسعة، بأنها أيضاً عنصرية.