19 شباط/فبراير 2020
السيد الرئيس،
- منذ إحاطتي الأخيرة قبل أسبوعين، لا يمكنني الإفادة بأي تقدم فيما يتعلق بوقف العنف في شمال غرب سوريا أو استئناف العملية السياسية.
- لقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أمس إلى وقف فوري لإطلاق النار في شمال غرب سوريا واحترام القانون الدولي الإنساني. أكرر هذه الدعوة هنا اليوم. ولكن يؤسفني أن أحيط هذا المجلس علماً بأن الأعمال العدائية مستمرة، بما في ذلك القصف المكثف من الأرض والجو.
- وكما أكد الأمين العام، وكما سيرد بشكل أكثر تفصيلاً في إحاطة مارك، فإننا قلقون من التدهور السريع للوضع الإنساني في شمال غرب سوريا والمعاناة المأساوية للمدنيين. فالهجوم الحالي أدى إلى نزوح ما يقارب 900 ألف مدني منذ 1 ديسمبر/كانون الأول بعضهم نزحوا لأكثر من مرة. كما لقى المئات مصرعهم خلال الفترة ذاتها.
- تقترب الأعمال العدائية الآن من المناطق المكتظة بالسكان مثل مدينة ادلب ومعبر باب الهوى الذي يشكل شريان حياة إنساني وحيث يوجد أكبر تجمع للنازحين في شمال غرب سوريا. يخرج الناس في درجات حرارة تقارب درجة التجمد بحثاً عن الأمان الذي أصبح أكثر صعوبة من ذي قبل. أكثر من أربعة من بين كل خمسة مدنيين من النازحين المدنيين الجدد هم من النساء والأطفال الذين يواجهون مخاطر وتهديدات محددة لأمنهم. الأطفال يموتون من البرد وشبح المزيد من النزوح والكوارث الإنسانية من صنع البشر يبدو واضحاً مع تزايد أعداد الأشخاص في مساحات تضيق أكثر وأكثر مع مرور الوقت.
- قامت قوات الحكومة السورية وحلفائها باستعادة السيطرة الكاملة على الجزء الشرقي من الطريق الدولي ذي الأهمية الاستراتيجية M5 وعدة مناطق غرب هذا الطريق، بما فيها الريف الغربي لحلب. وبذلك أصبحت الأحياء المدنية في حلب بعيدة عن مرمى النيران بعد أن كانت في السابق عرضة لعدد من الهجمات من منطقة خفض التصعيد.
- أعلنت وزارة الدفاع التركية أنه تم نشر تعزيزات إضافية داخل الأراضي السورية في منطقة خفض التصعيد في ادلب. ووفقاً للتقارير الواردة، تم نشر هذه القوات بالقرب من خطوط التماس على متن عربات مدرعة ودبابات. كما شاهدنا مواجهات عنيفة ومتكررة بين قوات تركية وقوات الحكومة السورية. ومن جانبها، تنخرط روسيا بشكل مباشر في دعم العمليات العسكرية للحكومة السورية.
- وتحتفظ هيئة تحرير الشام ومجموعات محظورة أخرى بتواجد كبير داخل ادلب. وقد دعت قرارات مجلس الأمن مثل القرار 2253 و2254 الدول الأعضاء إلى منع ووقف كافة الأعمال الإرهابية التي تقوم بها مثل هذه المجموعات والقضاء على الملاذ الآمن الذي قاموا بإنشائه. إلا أن العمليات العسكرية لكافة الأطراف، بما في ذلك تلك الموجهة ضد المجموعات المصنفة على أنها إرهابية، يجب أن تحترم أحكام القانون الدولي الإنساني والالتزامات التي يفرضها والتي تتضمن حماية المدنيين والأهداف المدنية. كما يجب احترام مبدأ التناسب.
- لقد أكدت على ذلك في اتصالات عالية المستوى مع مسؤولين رفيعي المستوى من روسيا وتركيا خلال اجتماع منتدى مؤتمر ميونخ للأمن في نهاية الأسبوع الماضي، وكذلك خلال لقاءاتي مع مسؤولين إيرانيين في طهران. تستطيع روسيا وتركيا -ويجب عليهما- باعتبارهما الدولتان الراعيتان لترتيبات خفض التصعيد أن تلعبا دوراً أساسياً في إيجاد سبيل لتهدئة الوضع بشكل فوري. وقد عقدت وفود روسية وتركية لقاءات مكثفة خلال الأيام الأخيرة في أنقرة وميونخ وموسكو، وكانت هناك اتصالات على المستوى الرئاسي أيضاً. ولكن لم يتم التوصل إلى تفاهم حتى الآن. وعلى العكس، تنذر التصريحات القادمة من مختلف الجهات، السورية والدولية، بقرب حدوث تصعيد أكبر.
- وكما ذكرت في إحاطتي الأخيرة، فإنني أؤمن بأنه من خلال تعاون دولي جاد، واستناداً إلى الاتفاقات السابقة وتدعيمها، واتساقاً مع روح قرارات مجلس الأمن، واحتراماً للقانون الدولي ولسيادة سوريا، يمكن التوصل إلى حل لإدلب يعالج التهديدات الخطيرة التي يشكلها تواجد المجموعات المصنفة إرهابية دون التسبب في معاناة إنسانية غير مقبولة. حتى يتسنى ذلك، يجب حشد كل الإمكانيات للمجتمع الدولي.
السيد الرئيس،
- هناك تطورات مقلقة أخرى على الأرض. حيث يبقى الوضع في جنوب سوريا مقلقاً. كما يشهد ريف حلب الشمالي تجدداً للأعمال العدائية، بشكل خاص داخل وفي محيط عفرين، وتل رفعت ونبل والزهراء، مع ورود تقارير حول سقوط ضحايا مدنيين.
- كما أن إعادة ظهور داعش يعد أيضاً أمراً مقلقاً للغاية مع اعتداءات متكررة في شمال شرق سوريا، وفي بادية حمص ومناطق أخرى.
- وقد أعلن الجيش السوري في بيان له الأسبوع الماضي أن أنظمة الدفاع الجوي للحكومة السورية تصدت “لصواريخ معادية” مصدرها الجولان السوري المحتل.
- وهناك توترات في شمال شرق سوريا ناتجة عن تعدد الأطراف المتواجدة على الأرض. وقد أعلن متحدث باسم قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أن دورية أمريكية تعرضت لنيران بأسلحة خفيفة من “أعضاء مليشيا محلية” ما نتج عنه مصرع أحد المقاتلين. بينما ذكر إعلام الحكومة السورية أن الشخص الذي لقى مصرعه كان مدنياً سورياً. تذكرنا هذه الواقعة بالحاجة للتوصل إلى ترتيب دائم في شمال شرق سوريا، يشمل كافة الأطراف، ويحترم ويستعيد سيادة سوريا ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها، اتساقاً مع القرار 2254.
- وما المعاناة الإنسانية الرهيبة إلا نتاج لصراع عنيف في المقام الأول. وبشكل أعم، يواجه الاقتصاد السوري تحديات خطيرة ناتجة عن عدد من العوامل والتطورات والإجراءات.
السيد الرئيس،
- تذكرنا كافة هذه التطورات، على امتداد البلد، بأن استمرار الصراع يشكل تهديداً خطيراً على سيادة سوريا وسلامة أراضيها واستقلالها، ولا نزال بعيدين جداً من إيجاد سبيل لضمان تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري في العيش في أمن وسلام وفي مستقبل أفضل. كما تذكرنا أيضاً بأنه لا حل عسكري للأزمة وأن العملية السياسية مطلوبة للوصول إلى حل سياسي.
- كان لدي أمل في أن انطلاق أعمال اللجنة الدستورية على أساس تشكيل متفق عليه وقواعد إجرائية وعناصر أساسية للائحة الداخلية معتمدة من قبل الحكومة السورية والمعارضة يمكن أن يفتح الباب أمام بناء قدر من الثقة وخلق ديناميكية إيجابية أوسع داعمة لهذا المسار. إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن. لكنني أواصل الضغط على كل من له تأثير من أجل العمل على تهدئة الأوضاع بشكل فوري. كما أنني منخرط بشكل كامل في محاولة تحقيق تقدم في المسار السياسي.
السيد الرئيس،
- لقد واصلت اتصالاتي مع الأطراف السورية للعمل على تقريب الخلافات حول جدول الأعمال للدورة الثالثة للجنة الدستورية، بناءً على التزام كامل بالقواعد الإجرائية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية التي أكدت على أهميتها أنا ووزير الخارجية وليد المعلم عندما التقينا في دمشق الشهر الماضي. لقد استمريت في التواصل مع الرئيسين المشاركين المسميين من قبل الحكومة السورية وهيئة المفاوضات السورية اللذين قدما وتبادلا عدة مقترحات حول جدول الأعمال. كما التقيت مع الرئيس المشارك المسمى من قبل هيئة المفاوضات السورية في جنيف للمزيد من المشاورات، والتقت نائبتي السيدة خولة مطر مع الرئيس المشارك المسمى من قبل الحكومة السورية في دمشق الأسبوع الماضي. لا تزال هناك خلافات ولكني آمل أننا سنكون قريباً في وضع يسمح لنا باستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف.
السيد الرئيس
- كما استضاف فريقي في جنيف أعمال مجموعة العمل الخاص بإطلاق سراح المعتقلين والمخطوفين وتسليم الرفاة والتعرف على الأشخاص المفقودين في إطار التناوب على عقد اجتماعات مجموعة العمل في عدة أماكن يحددها أعضاؤها وهم إيران، وروسيا، وتركيا، والأمم المتحدة. كما تشارك اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً بصفة مراقب. ويحتل هذا الملف أهمية كبرى لكونه ملف إنساني. والتقدم فيه سيكون ضرورياً من أجل بناء الثقة. وقد اتسمت النقاشات بالإيجابية وخاصة فيما يتعلق بقضية أساسية وهي الأشخاص المفقودين. إلا أن الجهود المبذولة في هذا الملف لم تسفر بعد عن تقدم كبير في أعداد ووتيرة الافراج عن المعتقلين وتوضيح مصير عشرات الالاف من السوريين المفقودين. أكرر ندائي من أجل عمليات افراج أحادية الجانب، خاصة للنساء والأطفال. كما أحث الأطراف على تحسين الكشف عن المعلومات للعائلات حول أقاربهم المعتقلين أو المفقودين.
السيد الرئيس
- وفي نهاية المطاف يتطلب الوصول إلى تسوية سياسية دائمة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254 مساراً أوسع. ويحتاج هذا الأمر إلى بناء الثقة وأحد سبل الوصول إلى ذلك هو من خلال مسار مبني على الخطوة مقابل خطوة. مع ارتفاع معدلات العنف على الأرض، والمعاناة الإنسانية، وتزايد التوترات الدولية حول سوريا، فإن إحدى الأولويات الملحة هي العمل على تغيير الديناميكيات التي قد تساهم في المزيد من غياب الثقة وتعميق الانقسامات وتجعل المسار السياسي أكثر صعوبة. وأبعد من ذلك، فإنه يمكن النظر في المضي قدماً من خلال عدد من الإجراءات المتبادلة التي يتخذها السوريون وشركاؤهم الدوليون والتي تعضد بعضها البعض. وأنوي مواصلة هذا الحوار مع الحكومة السورية والمعارضة والفاعلين الدوليين. وكما أنني أؤمن بأن حالة عدم الاستقرار المتجذرة والمعاناة التي يعيشها السوريون اليوم إنما تذكرنا بأن هذه المقاربة السياسية هي السبيل الوحيد للمضي قدماً.
- وهناك حاجة للقيام بالمزيد من أجل الدفع بمثل هذا المسار الأشمل اتساقاً مع قرار مجلس الأمن 2254. إلا أن شاغلي الأول اليوم هو المدنيون السوريون العالقون في القتال والذين يستمرون في ارسال رسائل حول وضعهم الحرج وحاجتهم الماسة للأمان. فهم لا يجدون آذاناً صاغية. وأكرر مناشدتي للاحترام الكامل للقانون الدولي الإنساني ولوقف فوري لإطلاق النار في ادلب، وصولاً إلى وقف لإطلاق نار على المستوى الوطني. وأحث الأطراف الدولية الرئيسية على مواصلة وتكثيف اتصالاتها من أجل إعادة الهدوء. وأحث أعضاء هذا المجلس على وضع ثقلهم وراء البحث عن مخرج سياسي. كما ذكرنا الأمين العام أمس بأنه وبهذه الطريقة فقط يمكننا خدمة مصالح الشعب السوري.
شكراً السيد الرئيس