ظهرتْ تقارير إعلامية في بداية شهر تموز/يوليو، حول موجة واسعة من الضربات الإسرائيلية المزعومة على أهداف المحور الإيراني في جميع أنحاء سوريا. تُعد التقارير بمثابة تذكير بحرب الظل المُستمرّة التي تدور بين تل أبيب وطهران، وتسلِّط الضوء على الهدف الاستراتيجي طويل الأمد لإسرائيل. زُعم أن الضربات أصابت مواقع أسلحة إيرانية وحزب الله. وشملت تلك الضربات مرافق التطوير والتخزين والنقل، والتي يبدو أن بعضها مُدمَج في القواعد العسكرية للجيش السوري. وقيل إن الأهداف المحيطة بدمشق وحمص وغرب سوريا قد أُصيبت جميعها، الأمر الذي أدّى إلى سقوط عدد من الضحايا. كانت إسرائيل قبل فترة طويلة من بدء الولايات المتحدة لسياسة الضغط الاقتصادي الأقصى على إيران، تطبِّق سياستها الخاصة بالوقاية القصوى – ولكن المنخفضة – في سوريا، وهذه السياسة مستمرّة.
أعطت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، باستخدام معلومات استخباراتية متقدّمة مقرونة بقوّة نيران دقيقة، الأولوية لهدف تعطيل بناء آلة الحرب الإيرانية في سوريا. لقد تصرَّفت إسرائيل أيضاً في العديد من المناسبات لمنع إيران من استخدام سوريا كمنطقة عبور وإنتاج للأسلحة المتقدّمة، مثل الصواريخ الموجَّهة، لصالح حزب الله في لبنان.
يتضمَّن هذا الجهد تتبُّع الرحلات الجوية ومصانع الأسلحة والقوافل البرية المشبوهة ومجموعة من أنشطة إنتاج الأسلحة الإيرانية وتهريبها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وشملت حملة الحرب بين الحروب الإسرائيلية أيضاً وفقاً للتقارير، ضربات ضدّ الجهود الإيرانية لبناء ممرّ برّي يربط العراق بسوريا لغرض نقل الأسلحة والميليشيات التي تدعمها إيران.
تمثل تقارير الضربات الإسرائيلية المزعومة قمة جبل جليدي كبير للغاية. حيث يبدو أن إسرائيل مصمِّمة على عدم السماح لإيران ببناء قواعد هجومية بطائرات بدون طيار ومصانع صواريخ وشبكات إرهابية بالوكالة لتهديد مواطنيها، ويعمل سلاح الجو الإسرائيلي بسرعة عالية على مدار الساعة لمراقبة التهديدات الناشئة وتعطيلها.
تمَّ توضيح الهدف الاستراتيجي الشامل لإسرائيل لهذه الضربات من قبل مدير الموساد يوسي كوهين بعد ساعات من الهجوم المزعوم في 1 تموز/يوليو، عندما صرَّح في مؤتمر هرتسليا، “أعتقد أن إيران ستصل إلى استنتاج مفاده أن الأمر لا يستحق العناء”.
يعكس هذا البيان الهدف الإسرائيلي الأوسع، والذي لا يقتصر فعلياً فقط على إيقاف تعزيز القوّة الإيرانية في سوريا. بدلاً من ذلك، فإن هدف إسرائيل هو جعل المرشد الأعلى خامنئي، والحرس الثوري الإسلامي (IRGC) وفيلق القدس التابعة له تصل إلى استنتاج مفاده أنهم لن يكونوا قادرين على تهريب قدراتهم الهجومية إلى سوريا دون أن تلاحظ إسرائيل ذلك وتتخذ إجراءً حيثما تشعر أنه ضروري.
تمَّ تنفيذ مئات الضربات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة لدفع إيران إلى تغيير مسارها وتقليص مشروعها في سوريا. ومن المأمول أن تكون النتيجة الصافية للضربات هي أن إيران مُجبَرة على إجراء تحليل للتكاليف والفوائد وأن تستنتج أن استثماراتها في سوريا سوف تتبدَّد.
كان ردّ إيران حتى الآن هو اللعب مع إسرائيل لعبة القط والفأر: إنها تهدر أنشطتها مؤقتاً قبل رفع مستوى الصوت وتحويل تركيز أنشطتها لتعزيز قواتها بعيداً عن جنوب سوريا، بالقرب من الحدود الإسرائيلية ودمشق، ونحو الصحراء العميقة الوسطى السورية. أكَّد كوهين هذا في كلمته قائلاً إن الموساد شهد قواعد بناء الإيرانيين وحزب الله في شمال سوريا. يتضمَّن هذا على الأرجح المحاولات الإيرانية لاستخدام قاعدة التيفور الجوية في وسط سوريا كبديل لمطار دمشق الدولي لتهريب الأسلحة المتقدِّمة وتخزينها قبل توزيعها إلى سوريا ولبنان. وقال كوهين خلال خطابه: “إنهم يعتقدون خطأً أنه سيكون من الصّعب الوصول إليهم”.
حاولتْ إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، استكمال خطواتها العسكرية بضغوط دبلوماسية إضافية على إيران لدحر أنشطتها في سوريا. جاء ذلك في شكل اجتماع ثلاثي مهم، عُقد في القدس (المحتلة، هيئة التحرير)في 24 حزيران/يونيو، حضره مستشارو الأمن القومي من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل لمناقشة الوضع في سوريا. لا تزال نتائج هذا الجهد غير واضحة. وأشار مستشار الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف علناً، على الأقل، إلى أن موسكو ليست في عجلة من أمرها لحلّ تحالفها مع إيران في سوريا، الأمر الذي جعل البلدين (روسيا وإيران) ينسِّقان العمليات الجوية والبرية لتأمين نظام الرئيس بشار الأسد. وقال باتروشيف خلال المؤتمر: “لقد كانت إيران وستكون حليفة وشريكة لنا، حيث قمنا بتطوير العلاقات تدريجياً لبعض الوقت، على الصعيدين الثنائي والمتعدِّد الأطراف”. و “إن أي محاولات لجعل طهران تبدو وكأنها التهديد الرئيسي للأمن العالمي، ووضعها في نفس سلة داعش أو أي جماعة إرهابية أخرى، أمر غير مقبول. لقد ساهمت إيران كثيراً في مكافحة الإرهاب في سوريا، الأمر الذي ساعد على استقرار الوضع. ندعو شركائنا إلى ممارسة ضبط النفس وبذل الجهود لتخفيف المخاوف والتوترات. يجب بذل الجهود لتخفيف التوترات بين (إسرائيل) وإيران”.
يبدو أن موقف موسكو العَلني يوحي بأنه على الرغم من أن روسيا منفتحة للضغط على إيران للابتعاد عن الحدود الإسرائيلية، فإنها إما لا تستطيع أو لن تعمل على طرد الإيرانيين ووكلائهم من سوريا. ولا يزال الوجود الإيراني ضرورياً لتحقيق الاستقرار لنظام الرئيس الأسد، ولا يزال للإيرانيين دور استراتيجي يلعبونه في المشروع الروسي طويل الأجل في روسيا، على الرغم من التصدّع والتوترات الواضحة التي تظهر بين موسكو وطهران بسبب تباين المصالح في سوريا.
تعمل إيران من جانبها على مواجهة محاولات إسرائيل لتجنيد روسيا ضد المحور الإيراني. في الأيام الأخيرة، صرَّح عضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في المجلس الإيراني أنه على الرغم من العلاقات الروسية الإسرائيلية، فقد تمكّنت طهران من الاستفادة القصوى من “الورقة الروسية” في أنشطتها في سوريا، وفقاً لتقرير صادر عن مركز مئير عميت Meir Amit للاستخبارات والإرهاب.
يبدو أن المنافسة الإسرائيلية الإيرانية على النفوذ الروسي ستستمرّ، وهو ما يضع موسكو في موقف المُحكِّم في سوريا – وهو ما يناسب هدف روسيا المتمثل في العودة إلى وضع القوة العظمى في الشرق الأوسط. لذلك كان ردّ إيران الشامل هو محاولة التغلّب على الضربات الإسرائيلية وأن تكون مرنة في مقاربتها لبناء القوّة في سوريا، دون التخلّي عن طموحها في تحويل البلاد إلى امتداد لجبهة حزب الله – اللبنانية ضد إسرائيل.
يمكن لإيران في مواجهة ضغوط العقوبات الاقتصادية الأمريكية المتزايدة، أن تسعى إلى تنشيط الوكلاء أو الأصلاء في سوريا لاستهداف إسرائيل. يبدو أن إيران قد حاولت بالفعل مثل هذا الاستفزاز في 1 حزيران/يونيو، عندما تمَّ إطلاق صاروخين على جبل حرمون من سوريا. استهدف الانتقام الإسرائيلي مدفعية نظام الرئيس الأسد وبطارية دفاع جوّي ومراكز مراقبة. أسفر الهجوم طبقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، عن مقتل ثلاثة جنود سوريين وسبعة “مقاتلين أجانب” هم أفراد إيرانيين ومن حزب الله. يبدو أن الصراع الإسرائيلي الإيراني في سوريا سيستمر، وسيسعى الجانبان لتجنيد روسيا ضد الآخر. أظهرت إسرائيل بشكل حاسم، تصميمها على تفعيل القوّة العسكرية لإبقاء إيران تحت المراقبة في سوريا. وقد عبَّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن هذا العزم في 14 تموز/يوليو خلال زيارته لكلية الدفاع الوطنية التابعة للجيش الاسرائيلي. وقال “في الوقت الحالي، الجيش الوحيد في العالم الذي يقاتل إيران هو الجيش الإسرائيلي”.
ياكوف لابين
ورقة بحثية اسرائيلية صادرة عن (مركز بيغن – السادات للدراسات الاستراتيجية)