النظام العالمي الجديد

محمد أسعد

تتكوَّن أطراف النظام العالمي بمفهومه المجازي، من دول مستقلة ذات سيادة، تقع على عاتقها مجتمعة مسؤولية توفير الأمن والاستقرار العالميين وتحتويه، وإنَّ النظام العالمي لا يظهر فجأة أو مصادفة دون مقدمات ،وإنَّما هو ثمرة لجمة من التفاعلات الاقتصادية والسياسية التي تمليها ظروف الزمن، وفي ضوء المتغيِّرات، أعطى بعض الباحثين للنظام العالمي الجديد مفهوما قيمي متفائلا،ً بوصفه يحقق الأمن والاستقرار، بينما اكتفى بعضهم بالبحث عن الفوارق الجوهرية بين قديم وحديث النظام العالمي الجديد، دون أن يحدِّد موقفاً من هذا النظام، ومع شيوع مفهوم النظام العالمي الجديد في الأدبيات السياسية والاقتصادية، تعدَّدت الآراء وتباينت مواقف الباحثين من مفهوم هذا النظام وجوهره.

ثمَّ تبنَّت الولايات المتحدة الأميركية إثر حرب الخليج الثانية 2 أغسطس 1990_28 فبراير 1991، مقولة النظام العالمي الجديد، الذي أعطته مضامين جديدة، ترتكز على المبادئ ((السامية))، الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، بقوله: إنَّ النظام العالمي الجديد لا يعني تنازلاً عن سيادتنا الوطنية أو تخلينا عن مصالحنا، إنَّه ينمُّ عن مسؤولية أملتها نجاحاتنا، وهو يعبر عن وسائل جديدة للعمل مع الأمم الأخرى من أجل ردع العدوان، وتحقيق الاستقرار والازدهار، وفوق كل شيء تحقيق السلام، إنَّه ينمُّ عن التطلُّع لعالم يقوم على التزام مشترك بين الأمم كبراها وصغراها، بمجموعة من المبادئ، التي يجب أن تستند عليها علاقاتنا ومنها: التسوية السلمية للمنازعات والتضامن في وجه العدوان وتخفيف ترسانة الأسلحة ومراقبتها.

ومن عوامل نشوء النظام العالمي الجديد تفكُّك الاتحاد السوفييتي إلى دول مستقلة، انتهت بهذا الحدث الحرب الباردة بين القوتين الأعظم بمعناها التقليدي، وحلَّ محلَّها الوفاق، بصورة اتفاق يحدُّ من سباق التسلُّح، فاختلَّ التوازن الدولي لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، بما يخدم مصلحتها أولاً، يضاف إلى السبب الأهم في نشأة النظام العالمي الجديد: تنامي دور التكتلات الاقتصادية الإقليمية، والتي هي ظاهرة إحلال الشراكة محل الصراع، والوفاق محل المواجهة، بين دول تجمعها قواسم مشتركة وترتبط بشبكة معقدة من علاقات التعاون الاقتصادي، والتبادل التجاري والمالي، وقد شكَّلت معاهدة “ماستريخت” في قيام مشروع الاتحاد الأوربي 1992 نموذجا لمثل هذه التكتلات. ويضاف إلى ذلك إخفاق معظم دول الجنوب في تحقيق مشاريع التنمية الاقتصادية الطموحة، وتراجعت عن معظم الانجازات الاقتصادية والاجتماعية التي حقَّقتها في العقود السابقة من خلال دمجها في منظومة الرأسمال العالمية ، وتفاقمت مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية وبرزت على السطح تحدِّيات كبيرة تعيق تطوُّرها، مثل تحدِّي الهوية والاندماج القومي، فضلا عن توتُّر الصراعات ذات الطابع القومي والعرقي والاثني، ممَّا أسهم في تهميش دورها في النظام العالمي الجديد. ومن آخر الأسباب الثورة المعلوماتية التي أحدث تبدلُّات جوهرية في مفاهيم السيادة و الحدود الإقليمية.

ويأخذنا الحديث للتوغُّل أكثر، والتطرُّق على بنية النظام العالمي الجديد، الذي يملي بالضرورة ترتيب دور ومكان كل من الأطراف المكونة لهذا النظام، بغية وضع العلاقات الدولية في مسارها المرغوب، ويعوِّل فريق من الباحثين، أهمية كبيرة على عنصر القدرة، في توجيه العلاقات الدولية، والقوة بأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهناك من الباحثين، من يعطي القوة العسكرية ،الدور المقرِّر في صياغة النظام العالمي الجديد، والدولة المؤهَّلة للعب هذا الدور، هي الولايات المتحدة الأمريكية، في حين يعتقد البعض إنَّ القوَّة الاقتصادية هي التي تقرِّر مصير النظام العالمي الجديد، وأيضاً الولايات المتحدة الأمريكية ،هنا تتربَّع على عرش الاقتصاد العالمي، وفي المحصِّلة يرى بعض الباحثين، أنَّ الولايات المتحدة غير مؤهَّلة بمفردها لان تؤدي هذا الدور، الذي يتطلَّب التفاعل بين عدة قوى اقتصادية في العالم، من أجل السيطرة على مجمل التفاعلات الدولية، إذ يتعذَّر أن تتوافر جميع العناصر القوة في دولة واحدة، بينما يرى بعض الباحثين بأن هيكل النظام بمعزل عن العوامل الداخلية، التي توجه السياسة الخارجية للدول لها قوة لتوجيه العلاقات الدولية والتحكم بمسارها، وفي هذا المنحى توقَّع الباحثون ثلاث احتمالات لقيادة النظام العالمي الجديد: الاحتمال الأول وهو سيطرة قطب واحد متمثِّل بالولايات المتحدة الأمريكية، أما الاحتمال الثاني الثنائية القطبية وهما قطب الولايات المتحدة الأمريكية وقطب الصين والاتحاد الأوربي، أما الاحتمال الثالث وهو التعددية القطبية وينطلق ذلك من الصيرورة التاريخية وما يتمخّض عن التطوُّر مستقبلاً في إطار النظرة الكلية للمتغيِّرات السياسية والاقتصادية التي ستطرأ على النظام الدولي، وحتى لو سيطر القطب الواحد الأمريكي فلا بد ولو بعد حين من التعددية القطبية. 

ويجب علينا التطرُّق إلى خصائص النظام العالمي الجديد، فبعد تفرُّد الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على العالم، أخذت تسعى لإعادة صياغة العالم وفق المقياس الأمريكي، والتي تعدُّ نفسها اليوم مسؤولة عن العالم بأسره، وترى أنَّ من حقَّها السيطرة عليه وتسخيره في خدمة مصالحها، فهي تعيش حالة “عقد التفوُّق الأمريكي” على بقية الدول، وكل دولة تخرج عن طوع الولايات المتحدة تكون موضع شك وربما تتهم بالإرهاب والمساس بحقوق الإنسان، وتأخذ على عاتقها غدارة الأزمات الدولية و الإقليمية، وفي هذا المنحى يرى “كراي ثامر” بأن عالم اليوم هو عالم غير متعدِّد الأقطاب بل عالم القطب الواحد، فالولايات المتحدة تتمتَّع بالقدرة التي تمكنها من القيام بدور حاسم في أي صراع تختار أن تشارك فيه، وبإمكانها الاعتماد على قوتها الاقتصادية والعسكرية، أن ترسي قواعد النظام العالمي، كذلك صرَّح بعض المسؤولين الأمريكيين بأن الولايات المتحدة تقع تحت مسؤولية المحافظة على الاستقرار الدولي وقيادة التحرك الدولي نحو تحقيق الديموقراطية، على الرَّغم من أنَّ الولايات المتحدة، غير قادرة على التأثير في جميع التفاعلات الدولية، ورؤية الولايات المتحدة للنظام العالمي تتسم بعدم الوضوح.

لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه أمام الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة. يبدو أنه سار في طريق لا عودة فيه نهجه إلغاء هذا النظام ودور أميركا ك[شرطي] للعالم وتبنى شعار ( أميركا أولا)  يومها، 25 سبتمبر/ أيلول 2018. 

في خطابه، هاجم العولمة، والمنظمات والمعاهدات الدولية مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية والاتفاق النووي الإيراني، وجميعها أعلنت إدارته إما الانسحاب منها أو فرض عقوبات عليها.وسلط الضوء على تعهده “بوضع السيادة فوق الحوكمة العالمية”.ودافع عن قراراته الدبلوماسية المثيرة للجدل.انتقد إيران وفنزويلا وألمانيا وبلدانا أخرى. وتفاخر بالعقوبات الأمريكية على الخصوم. 

ومن المرجح أن تستمر الأحادية القطبية في الوقت الراهن، لأن روسيا وبرغم من عودة سطوتها إقليمياً، إلا إنها لم تستعيد السطوة العالمية، بسبب ضعف اقتصادها، أما الصين، فيصفها بعض الباحثون بالفقاعة الاقتصادية ،لان هناك سيطرة غربية كبيرة على معظم المصانع والحركة الاقتصادية فيها.

من العدد ٣٤ من جريدة المسار