المبادئ القانونية لعدم الإفلات من العقاب

أوجد المجتمع الدولي مبادئ قانونية تمنع أو تقي من ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية ومنها جريمة التعذيب على أساس أنها جريمة ضد الإنسانية، وهذا ما تم تأكيده من خلال النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ، وفي المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا، والمادة الثالثة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا.

ومن أهم هذه المبادئ:

أولاًـ مبدأ عدم تقادم الجريمة: اعتبار جريمة التعذيب جريمة ضد الإنسانية يجعلها تخضع لمبدأ عدم تقادم الجريمة، وقد أكدت هذا المبدأ اتفاقية 26/7/ 1968 والتي دخلت حيز النفاذ 1970 والمتعلقة بعدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، واعتبرت تكريسا لمبادئ نورمبرغ وضرورة محاربة اللاعقاب تجاه من ارتكب الأعمال الشنيعة التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، وقد بررت الاتفاقية مبدأ عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ديباجتها كما يلي:

ـ أنها الجرائم الدولية الأكثر جسامة من أجل المكافحة والعقاب الفعلي.

ـ انه عامل أساسي في الوقاية من وقوع تلك الجرائم.

– انه عامل أساسي لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

ثانياًـ الولاية القضائية العالمية ومبدأ سقوط الحصانة: إن القانون الدولي لا يعطي حصانة من الملاحقة القضائية، سواء في المحاكم الوطنية أو الدولية بشأن الأفعال التي يجرمها القانون الدولي ومن ضمنها الجرائم ضد الإنسانية، والمقصود من الولاية القضائية العالمية حق كل دولة أن تتابع وتعاقب مرتكبي الجرائم الدولية التي لا تمس الضحية فقط بل تمس البشرية جمعاء، والدول ملزمة باتخاذ جميع الإجراءات الجنائية ضد من يرتكبون جرائم ضد الإنسانية ومعاقبتهم ، وملزمة بالتعاون والبحث عن الأشخاص المرتكبين لتلك الجرائم والقبض عليهم وتسليمهم ومعاقبتهم وهناك اعتراف عام من المجتمع الدولي بأن جميع الدول ملزمة بمحاكمة وتسليم الأشخاص الذين يشتبه بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وفق مبدأ “إما التسليم أو المحاكمة”، واعترف المجتمع الدولي بأنه يتوجب على كل دولة محاسبة المسؤولين عن اختفاء الأشخاص القسري، وتقديمه للعدالة وممارسة الولاية القضائية العالمية باعتبار أن الاختفاء القسري يعد ضرباً من ضروب التعذيب وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادئ خاصة بالتعاون الدولي بشأن البحث عن الأشخاص المتهمين بارتكابهم الجرائم ضد الإنسانية في قرارها رقم 3074 المؤرخ في 3/12/1973 والتي جاء فيها: على كل الدول التزامات موسعة بشأن التعاون مع بعضها، من أجل تقديم المسؤولين عن ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية للعدالة، بما فيها التعذيب، أينما ارتكبت هذه الجرائم، كما ينبغي عليها تجنب اتخاذ أي إجراءات تخل بتلك الالتزامات.

ثالثاًـ سقوط الحصانة عن رؤساء الدول والحكومات: لا يمكن للمسؤولين عن التعذيب والجرائم الأخرى المضادة للإنسانية التمسك بالحصانة أو الامتيازات للتهرب من المسؤولية الجنائية والمدنية، فالقاعدة الأساسية في القانون الدولي تجيز ممارسة محاسبة رؤساء الدول والمسؤولين الرسميين كأفراد عن الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، وهذه القاعدة تؤكد القاعدة العامة للقانون الدولي التي اعترفت بها معاهدة فرساي 28/6/1919 ومفادها: تقييد حصانة رؤساء الدول بموجب القانون الدولي ولاسيما في حالة ارتكاب أفعال يُحرّمها القانون الدولي. وتم تأكيد هذه القاعدة في القانون السياسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة 27 حيث نصت على:

1ـ ينطبق هذا القانون الأساسي بصورة متساوية على كل الأشخاص دون تفرقة، تستند إلى صلاحياتهم الرسمية ولا تعفي بخاصة الصلاحية الرسمية لرئيس الدولة أو الحكومة أو المندوب المنتخب أو الموظف الحكومي، صاحبها بحال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب القانون الأساسي، كما لا تشكل تلك الصلاحية بحكم طبيعتها أو في حد ذاتها مبرراً لتحقيق العقوبة.

2 ـ لا تمنع الحصانة أو القواعد الإجرائية الخاصة المرتبطة بالصفة الرسمية للشخص المحكمة من ممارسة ولايتها القضائية على مثل هذا الشخص بموجب القانون الدولي والوطني.