الدكتور جون نسطة
معروف بأن مؤتمر التأسيس عقد في بلدة بكفيا بمبادرة من رجال شجعان اطلعوا على مبادئ الماركسية اللينينية. وفي طليعتهم المناضل النقابي فؤاد الشمالي الذي أسس نقابة عمال التبغ والتنباك في لبنان، بعد أن طرد من مصر بسبب نضاله النقابي والسياسي في صفوف الحزب الاشتراكي المصري، الذي أسسه المثقف اللامع سلامى وموسى، الذي درس في بريطانيا وعمل في صفوف الجمعية الفابية النجاح اليساري لحزب العمال البريطاني. وعاد إلى مصر وأسس الحزب الاشتراكي المصري في العام ١٩٢٠ وأصبح حزباً واسع الانتشار. وكان بجانب فؤاد الشمالي المثقف والصحفي يوسف يزبك وبهذا تزواجت الثقافة النظرية مع النضالية النقابية.
لقد شكل تأسيس الحزب الشيوعي السوري اللبناني نقلة نوعية في الساحة السياسية السورية كأول حزب يتجاوز الطائفية السياسية ويدافع عن حقوق العمال والفلاحين والمفقرين عموماً.
أنا لست بصدد الكتابة عن تاريخ هذا الحزب، فلقد سبق لمؤرخين وباحثين أن كتبوا بالتفصيل عن هذا الموضوع بل أرغب عن الكتابة عن بعض الصفحات المضيئة في تاريخ هذا الحزب.
بعد تأسيس الحزب بعام واحد انفجرت الثورة السورية الكبرى بقيادة المناضل الوطني الكبير سلطان باشا الأطرش، ولقد قام الحزب فوراً بتأييدها ومناصرتها بكافة الوسائل الممكنة، من توزيع المناشير الداعمة، حتى كتابت مناشير باللغة الفرنسية تدعو ضباط وجنود الاحتلال الفرنسي إلى ترك السلاح أو عدم تنفيذ الأوامر العسكرية فورا ويطالب بالانضمام إلى صفوف الثوار.
والأكثر من هذا وذاك قاموا بتهريب السلاح، الذي بعث به الاتحاد السوفياتي، وبمساعدة الحزب الشيوعي التركي الذي كان يوصله إلى الحدود السورية.
وناضل الحزب باستمرار ضد الانتداب الفرنسي لسوريا ولبنان وتعرض قادته إلى الاعتقال والنفي والمحاكمات والسجن. وكانت له صلات طيبة مع ثوار دمشق مثل المقاوم البطل الشيخ محمد الأشمر وغيره.
ولقد قام الحزب بدور لامع في إضراب مدينة دمشق الستيني، والذي قامت فرنسا على إثره بالدعوة إلى المفاوضات على اتفاقية ١٩٣٦ في باريس، ولقد قام الأمين العام للحزب خالد بكداش بالذهاب إلى باريس قبل وصول الوفد السوري بزعامة هاشم الأتاسي، ونظم مظاهرات فرنسية بالتعاون مع الحزب الشيوعي الفرنسي والحزب الاشتراكي الفرنسي، تدعو إلى منح سوريا الاستقلال والحرية.
وبقي الحزب يناضل من أجل الاستقلال بل كان في طليعة القوى الوطنية التي تطالب بالجلاء الكامل، ولهذا صار اسمه حزب الجلاء.
واستمر الحزب بعد الجلاء وقبله في تنظيم صفوف الطبقة العاملة في نقابات مستقلة وتدريب كوادرها، بعد كانت نقابات مختلطة بين العمال وأرباب العمل، وقام بتنظيم العديد من الإضرابات.
وتابع الحزب نضاله في تثبيت الاستقلال ودعم القوة الوطنية التقدمية في مواجهة الأحلاف العسكرية الأجنبية بقيادة الويلات المتحدة الأمريكية.
ومقاومة انظمة الانقلابات العسكرية مثل انقلاب حسني الزعيم والحناوي وأديب الشيشكلي وكان مناضليه يتعرضون للاعتقال والتعذيب بشكل عنيف، وكانوا مثال الصمود والتحدي.
ويبقى الموقف من الوحدة السورية المصرية في العام ١٩٥٨ بحاجة إلى بعض التوضيح، لأن هناك ملابسات غير صحيحة جرت من قبل أوساط صحفية وأمنية.
لم يكن الحزب معادي للوحدة، بل كنا نحن الطلاب الشيوعيين نخرج ونشارك في المظاهرات المؤيدة للوحدة، وبغض النظر عن التصرف الخاطئ، برأيي الشخصي،الذي قام به خالد بكداش بعدم حضور جلسة البرلمان المنعقدة للموافقة على الوحدة. فإن الحزب كان موافقاً على الوحدة مع إبداء بعض الانتقادات العلمية وتقديم برامج مختصرة لانقاذها مثل النقاط الحادية عشر ومن ثم النقاط الثالثة عشر.
ولقد بين بأن الوحدة لم تراعي الظروف الموضوعية والتاريخية لكلا البلدين.
ولم يمض وقتاً طويلاً حتى وافق كل السياسين والأحزاب التي شاركت بالحكم على مواقف الحزب الشيوعي، واستقالوا من وظائفهم جماعة وفرداناً.
هذه بعض النقاط المختصرة التي رغبت بالإشارة إليها.
عاشت الذكرى ال ٩٥ لتأسيس الحزب الشيوعي السوري اللبناني.
وعاشت ثورة الشارع اللبناني من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وبناء مستقبل للبنان.