– من كتاب “تطور المجتمع السوري (١٨٣١ – ٢٠١١)” تأليف نشوان الأتاسي (دار أطلس، بيروت ٢٠١٥).
منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر كانت بلاد الشام من ضمن الدول الأكثر تطوراً في الشرق الادنى، حيث في عام ١٩١١ كان في سورية (١٩٤) مصنعاً فرنسياً للحرير فيها ١٤,٠٠٠ عامل سوري أغلبهم من من الموارنة الأرثوذكس والكاثوليك والدروز، كما انخرط معظم التجار في مجالات الاستيراد والتصدير وزراعة الحرير وأعمال الوساطة في التبادل التجاري بين السوق المحلي والاسواق الاوربية.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان في حمص لوحدها ٥٠٠٠ عامل في قطاع النسيج لوحده حيث اشتهرت المدينة في هذه الصناعة وكان يسميها القنصل البريطاني (مانشستر سورية)، وبسبب قناة السويس السورية (أي: الخط الحديدي الحجازي) حصل ازدهار موانئ البلاد في طرابلس واسكندرون وبيروت كما كان يصل الى سورية أكثر من عشرين باخرة فرنسية سنوياً مخصصة لنقل التبغ اللاذقاني الى فرنسا وأوروبا بسبب جودته كما فتحت عدة فروع بنوك فرنسية وبريطانية من أجل تسيير المعاملات التجارية حيث كانت البلاد تصدر مختلف أنواع المزروعات والصناعات الى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
وبسبب الخط الحديدي المذكور تحولت سورية وحلب على وجه التحديد الى السوق الرئيسية في الشرق الادنى كافة، كما أنشئت فيها عدة نقابات للتجار والعمال، كما ذكر الكاتب “نشوان الأتاسي” نقلا عن “فيليب حتي” أن العثمانيين أبدوا اهتماما بالزراعة وإنشاء القرى وتوطين البدو، فشهدت البلاد انتعاشاً اقتصادياً ملحوظاً وأخذ التجار الانكليز والفرنسيون يتسابقون على الاستثمار في دمشق وحلب، وأنه بحسب تقرير للقنصلية البريطانية كان يوجد في حلب وحدها ستين تاجراً انكليزياً كما ذكر أن شهرة مدينة حلب التجارية قد بلغت شأناً مرتفعاً في الغرب وأنها ذكرت في أدبيات شكسبير وأنها كانت تعتبر ثالث مدن الدولة العثمانية أهمية بعد كل من الأستانة والقاهرة وأنه بسبب نشاط مدينة حلب في الاستيراد والتصدير قد ساعد على نمو صناعات عديدة وعلى رأسها صناعة الحرير في لبنان والقطن في الجزيرة والفرات والصوف والزيت في فلسطين والتبغ في اللاذقية وأنه بسبب الأسعار المنافسة، مقارنة بأسعار التجار البرتغاليين، فإن سوريا أخذت موقعها التجاري بين الشرق والغرب.