هو مشروع لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا ودول أوروبية، مروراً بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية اليونانية، حيث يفترض إقامة مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم توريده للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا.
تم الإعلان عن “السيل التركي” رسمياً في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2014 من طرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء قيامه بزيارة إلى تركيا.
يتألف المشروع من أربعة خطوط تبلغ قدرتها الإمدادية الإجمالية 63 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، وتقتصر المرحلة الأولى من المشروع على مد خط وحيد من الخطوط الأربعة بطاقة استيعابية تناهز 16 مليار متر مكعب سوف تذهب كلها لسد احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي.
ويبلغ طول المشروع 1170 كيلو متر، 910 كيلو متر تحت قاع البحر الأسود و260 كيلو متر فوق سطح الأرض.
يبدأ مشروع خط أنابيب السيل التركي من الأراضي الروسية ويعبر أسفل قاع البحر الأسود، ليدخل الأراضي التركية عبر ولاية قرقلار إيلي الشمالية الغربية ومن ثمّ إلى الأراضي اليونانية التي ستكون خزاناً للغاز الروسي عند نهاية المشروع.
تتكفّل شركة غاز بروم الروسية بإنشاء القسم الذي يعبر من أسفل قاع البحر الأسود بمفردها، فيما سيتم إنشاء القسم العابر للأراضي التركية بالتشارك بين الدولتين، في حين يُنتظر أن تصل التكلفة الإجمالية للمشروع قرابة 19 مليار دولار أمريكي، وبموجب الاتفاق المبرم بين أنقرة وموسكو، أعلن رئيس شركة غاز بروم ألكسي ميللر في أيار/ مايو عام 2015 عن بدء الطرفين التركي والروسي بإنشاء المشروع.
في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2015 أعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك تعليق المفاوضات بخصوص تنفيذ المشروع بسبب توتر العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وأنقرة عقب إسقاط الجيش التركي مقاتلة روسية قرب الحدود التركية مع سوريا.
لكن فيما بعد وبتاريخ 10 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2016 وقعت الحكومتين التركية والروسية على اتفاقية مشروع خط الغاز الطبيعي “السيل التركي”، لنقل الغاز الروسي إلى القارة الأوروبية عبر الأراضي التركية بشكل رسمي، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش اللقاء الثنائي الذي جمعهما في إسطنبول، والتي كان يزورها الرئيس الروسي للمشاركة في مؤتمر الطاقة العالمي، ووقّع على الاتفاقية من الجانب التركي وزير الطاقة والموارد الطبيعية “بيرات ألبيراق”، ونظيره الروسي “ألكسندر نوفاك” من الجانب المقابل.
نظرة أعمق
كانت أوكرانيا البلد الرئيسي الذي تمر عبره الأنابيب التي تمد أوروبا بالغاز الروسي، حيث إن أكثر من 80% من واردات أوروبا الغازية من روسيا في السنوات الأولى للألفية الثانية كانت تعبر من الأراضي الأوكرانية.
لكن تأزم الأوضاع بين موسكو وكييف جعل روسيا تُقدم على قطع إمدادات أوروبا من الغاز بضعة أيام في يناير/كانون الثاني 2009، مما حرم عدة بلدان أوروبية مثل: بلغاريا، وصربيا، وكرواتيا، واليونان من الغاز الضروري للتدفئة في فصل الشتاء.
ومن أجل التقليل من أهمية أوكرانيا كبلد عبور رئيسي للغاز الروسي لأوروبا، عمدت روسيا عام 2011 في شراكة مع ألمانيا إلى بناء خط أنابيب بحري “نورث ستريم” يمر عبر بحر الشمال ويسمح بتوريد 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويا إلى ألمانيا مباشرة.
وبهذا أصبحت كمية الغاز الروسي التي تنقل عبر أوكرانيا أقل من 49% من الكمية الإجمالية للإمدادات الروسية لأوروبا.
كما سبق أن اقترحت روسيا بناء أربعة خطوط أنابيب جديدة على مسافة 2.300 كيلومتر تمر عبر البحر الأسود وبلغاريا، ومن ثم تصل إلى البلدان الأوروبية، وحمل هذا المشروع اسم “ساوث ستريم”
لكن المفوضية الأوروبية أبدت اعتراضها على المقترح الروسي، ووجدت بلغاريا -البلد العضو في الاتحاد الأوروبي- نفسها أمام ضغوط بروكسل بالإضافة إلى الضغوط الأميركية التي أرادت إفشال المشروع والدفع بأوروبا إلى التقليل من تبعيتها الطاقية لروسيا عبر توريد الغاز من بلدان آسيوية أخرى مثل (أذربيجان وتركمنستان وإيران)
وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول 2014 وبعد سنوات من المفاوضات مع الطرف الأوروبي، التي باءت بالفشل وإيقاف بلغاريا أشغال تنفيذ المشروع على أراضيها في يونيو/حزيران 2014، أعلن فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي أثناء قيامه بزيارة عمل إلى تركيا موت مشروع “ساوث ستريم” نهائياً، واقترح مشروع “السيل التركي” بديلاً عنه.
يكتسي مرور أنابيب الغاز الطبيعي عبر أراضي بلد ما أهمية بالغة، فبالإضافة إلى تأمين هذا البلد إمدادات ثابتة ومنتظمة من هذه المادة الطاقية بأسعار تفضيلية، وتحقيق مكاسب اقتصادية تتمثل في تنمية مداخيل الدولة من خلال العائدات المتأتية من عبور الأنابيب بالأراضي الوطنية، ينطوي الأمر أيضا على بعد إستراتيجي وجيوسياسي؛ حيث يكتسب البلد قيمة وقدرة تفاوضية أكبر أمام جيرانه وأمام البلد المورد وباقي البلدان المستهلكة للغاز المار عبر أراضيه.
كما ستستفيد تركيا من تنفيذ المشروع المتمثل في خط الغاز العابر للأناضول الذي سيرى النور في هذا العام 2019، والذي سينقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا عبر جورجيا وتركيا.
ولقد أدى إلغاء مشروع “ساوث ستريم” سابقاً إلى خسارة بلغاريا أكثر من أربعمئة مليون دولار سنوياً كعائدات محتملة من عبور الغاز الروسي لأراضيها، بالإضافة إلى باقي المكاسب التي كان من الممكن تحقيقها لو كُتِب للمشروع أن يرى النور.
افتتاح المرحلة الأولى
شارك الرئيسان أردوغان وبوتين، في مراسم احتفالية بمناسبة إتمام الجزء المار من البحر الأسود، في مشروع خط أنابيب السيل التركي لنقل الغاز، وأعطى الرئيسان التعليمات بإنزال الأنبوب الأخير من خط نقل الغاز.
قال الرئيس أردوغان، في كلمته بحفل الافتتاح “المشروع سيكون جاهزاً وسيدخل الخدمة عام 2019”
كما أثنى الرئيس بوتين على الشجاعة والإرادة السياسية التركية لتنفيذ المشروع، وقال “خط الغاز الطبيعي الروسي الجديد توركيش ستريم الذي سوف يمر في تركيا سوف يساعد في ضمان أمن الطاقة الأوروبي ويعزز من التنمية الاقتصادية التركية، وأن تركيا سوف تصبح مركزاً أوروبياً رئيسياً لقطاع الطاقة ” وأعرب عن ثقته في أن يصل التبادل التجاري بين روسيا وتركيا إلى 100 مليار دولار سنوياً.
من جانبه قال الرئيس التركي أردوغان “إن خط أنابيب الغاز توركيش ستريم الجديد القادم من روسيا سوف ينقل ما لا يقل عن نصف شحنة الغاز عبر تركيا إلى الأسواق الأوروبية، وأنه لدى بدء التشغيل سوف يتم نقل 5.31 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً”
وأضاف “تركيا وصلت إلى المرحلة النهائية لمشروع السيل التركي، والعلاقات التركية الروسية ستشهد خطوة جديدة من التعاون بمجال الطاقة للمضي في الارتقاء بالعلاقات الثنائية.
وشدّد أردوغان على أن مشروع السيل التركي لن يعود بالفائدة على تركيا وشعبها فحسب، بل على جيرانها ومنطقتها أيضاً. ولفت إلى أن تركيا اشترت من روسيا 387 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي منذ عام 1987 وهذا دليل على اجتياز العلاقات الثنائية كافة التحديات في مجال الطاقة، وتابع أن روسيا بالنسبة لتركيا مصدر مهم للغاز الطبيعي، ودولة صديقة نثق بها ويمكننا التعاون معها على المدى الطويل.
خالد المصفي