غير بيدرسن والمهمة المستحيلة في سورية

عندما أعلن المبعوث  المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية في سورية  كوفي أنان في ٢ آب/أغسطس ٢٠١٢ عن فشله في وقف نزيف الدم السوري واستقالته عن مهمته قال عنها “انها مهمة مستحيلة”، وقد حدد أسباب فشله آنذاك بفقدان الإرادة الدولية في إيجاد حل سياسي للصراع الدائر وإحلال السلام في سورية والى رغبة الاطراف المتصارعة بإعطاء الاولوية للصراع المسلح واستمرار عسكرته، الا انه وخلافا لما يقال عن فشله  فقد استطاع ان يحدد للازمة السورية خارطة طريق عرفت فيما بعد بـ “خطة عنان للسلام” التي أقرت في مجلس الامن الدولي ، ورغم ان تلك الوثيقة لم يترتب عليها أية تبعات ملزمة بسبب انها كانت بدون “أنياب” إلا أنها كانت السبيل الوحيد للمضي قدما نحو الحل السياسي للسلام وكانت منطلقا لجميع القرارات الدولية ذات الصلة بما فيه بيان جنيف (١) لعام ٢٠١٢.

لم يستطع لا الإبراهيمي الذي عين خلفا لأنان مبعوثا مشتركا للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية عام ٢٠١٢ في الازمة السورية وهو القائل “إن العامل الرئيس الذي أشعل الصراع في سورية هو الربيع العربي ووصفه بـ “حراك شعبي حقيقي استغلته وسلحته دول المنطقة” ولا المبعوث الخاص ستيفان دي مستورا الذي خلف الإبراهيمي عام ٢٠١٤ أن يحققا أي اختراق في الاستعصاء القائم في الأزمة السورية علماً أن المبعوث الأخير لا يقل خبرة وحنكة من خلفه غير بيدرسن حيث كان يوصف بالمتفائل دائماً وصاحب السلال الأربع والذي كرس جل نشاطه في عامه الأخير بأمل تشكيل اللجنة الدستورية كمدخل للعملية السياسية إلا انه لم  ينجح في إحداث اي تقدم يذكر في اي من الملفات المطروحة بسبب عدم الرغبة لدى بعض الأطراف في منحه هكذا امتياز الأمر الذي دفعه الى التصريح قبيل انتهاء مهمته أواخر عام ٢٠١٨ بإنه “إذا توافرت الإرادة السياسية لدى الدول المتصارعة في سورية فلا يوجد سبب لعدم عقد اللجنة الدستورية في تشرين الثاني من عام ٢٠١٨”.

وصل غير بيدرسن لموقع  مبعوث أممي رابع للازمة السورية بعد مسيرة دبلوماسية حافلة اكتسب خلالها لقب الدبلوماسي “المحنك” او “المخضرم” حيث كان عند تعيينه لتلك المهمة  سفيرا للنرويج في الصين وقبلها شغل منصب مبعوثاً دائما لبلاده لدى الأمم المتحدة من عام ٢٠١١- ٢٠١٧، كما عمل ممثلا خاصا للأمم المتحدة في لبنان ٢٠٠٧-  ٢٠٠٨، وممثل النروج لدى السلطة الفلسطينية من عام ١٩٩٨ – ٢٠٠٣، كما كان مديراً عاما للشؤون الانسانية في وزارة الخارجية النرويجية، وأيضاً عمل عضواً بارزاً في الفريق النرويجي بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام ١٩٩٣ في مفاوضات أوسلو أدت إلى الاعتراف المتبادل بينهما.

لذلك فإن الشعب السوري سيسمع خلال السنوات الاربع المقبلة باسمه كثيراً وستكون أمامه ملفات عديدة معقدة وشائكة والعديد من التحديات في مقدمتها بتشكيل اللجنة الدستورية، لتكون بوابة للشروع بعملية سياسية تحت مظلة الأمم المتحدة  تستند لبيان جنيف واحد لعام ٢٠١٢ والقرار الدولي ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ وعلى وقف إطلاق نار شامل ودائم ومن ثم إيجاد آلية لانتقال سياسي وتشكيل حكومة انتقالية غير طائفية وشاملة للجميع وبكامل الصلاحيات التنفيذية وصياغة دستور جديد يضمن التمثيل المتساوي ويؤمن الاستقرار في البلاد وإجراء انتخابات عامة وشاملة يشارك فيها الجميع بالداخل والخارج واخراج جميع القوات والمليشيات الأجنبية من الاراضي السورية مروراً بالملفات الإنسانية ذات الحساسية المميزة كملف المعتقلين والمغيبين قسرياً وعودة المهجرين والنازحين الطوعية والآمنة الى مناطقهم وبلداتهم ومنازلهم التي هجروا منها الأمر الذي يسهل لعملية إعادة إعمار ما دمر خلال الحرب في جميع أنحاء البلاد.

ان الملف السوري ليس بالملف العادي المحدد بمكان أو بطرفين داخليين متصارعين فقط، بل لقد تجاوزهما وأصبح من اللحظة التي دُوِّل فيها خارج حدود المكان ومنفلتاً عن إرادة أطرافه الداخلية، ليكون مرتهنا للكيفية التي تحكم حل الصراعات الاقليمية والدولية، والتي هي عند الدول المتحكمة بها أكثر أهمية من الصراع الداخلي السوري.

ومع هذا التعقيد في الازمة السورية، هل يكفي موافقة الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن على تعين السيد بيدرسن لهذه المهمة لنجاحه في تنفيذ ما كلفه به السيد الأمين العام للأمم المتحدة عند تعينه لهذه المهمة؟ حيث حددها له بـ “بدعم الاطراف السورية لتسهيل إيجاد حل سياسي شامل وجدير بالثقة يحقق التطلعات الديمقراطية للشعب السوري”.

وهل يمكن التعويل على انجازاته العديدة الناجحة لتحقيق تقدم على صعيد الحل السياسي؟ وهل يمكن أن يفتح تاريخه الدبلوماسي بارقة أمل عند الشعب السوري من خلال الاعتماد على تأثير رمزيته السياسية وخبرته الطويلة في تقريب الإرادات الدولية والاقليمية وتدشين مرحلة جديدة في المهمة المستحيلة كما قال عنها كوفي أنان؟ أم سَتُنهي الأزمة السورية حياة الدبلوماسي المخضرم بفشل كأسلافه؟