شهداء الحركة الشيوعية العربية: عبد الخالق محجوب

المولد والنشأة

ولد عبد الخالق محجوب عثمان يوم ٢٢ سبتمبر/أيلول ١٩٢٧ في مدينة أم درمان بالسودان، ودرس في مدرسة الهداية الأولية، ثم أم درمان الأميرية الوسطى، ثم في مدرسة وادي سيدنا الثانوية.

الدراسة

التحق بكلية غوردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقاً)، وخرج إلى مصر – إثر مظاهرات احتجاجية على الإدارة البريطانية – فدخل كلية الآداب في جامعة فؤاد الأول حيث تعرف على الحزب الشيوعي المصري، لكنه فُصل من الجامعة في السنة الثالثة وسُجن لنشاطه السياسي، ثم أعيد إلى السوداني عام ١٩٤٦.

التوجه الفكري

كتب في مقال بعنوان “كيف أصبحت شيوعياً؟”: “إنني أنتهج السبيل الماركسي في ثقافتي وتصرفاتي، وأؤمن بالنظرية العلمية الشيوعية… وجدت في النظرية الماركسية خير ثقافة وأنقى فكرة”.

عُرف بانتقاده الشديد لما سماه “المؤسسة الطائفية” (يقصد بالتعبير طائفتيْ الأنصار والختمية)، ولجماعة الإخوان المسلمين في السودان التي وصفها بأنها “لا تؤمن بالنظام الديمقراطي..، وفلسفتها تقوم على الإرهاب”.

الوظائف والمسؤوليات

انتخب ١٩٤٩ لوظيفة المسؤول السياسي لـ “الحركة السودانية للتحرر الوطني” (حستو) التي أصبح اسمها “الحزب الشيوعي السوداني” عام ١٩٥٦.

تولى عام ١٩٥٢ منصب السكرتير العام لـ “حستو” ولاحقاً “الحزب الشيوعي السوداني” وظل في منصبه حتى إعدامه. انتخب عام ١٩٦٨ نائباً في البرلمان عن دائرة أم درمان الجنوبية.

التجربة السياسية

كانت نهاية الحرب العالمية الثانية ١٩٤٥ موعداً لانطلاق المسار السياسي في حياة محجوب، فخاض – عبر حركة “حستو” التي كان من أبرز منشئيها عام ١٩٤٦ – النضال السياسي لإجلاء الاستعمار عن السودان ومصر، وإتاحة حق تقرير المصير للشعب السوداني.

أشرف على تسيير المظاهرات الطلابية ضد الجمعية التشريعية التي أقامها المستعمر الإنجليزي في ١٩٤٨، لكنه رفض انتهاج الكفاح المسلح ضد الاستعمار، داعياً إلى النضال الديمقراطي الشعبي الذي قاد في النهاية إلى إعلان استقلال السودان ١٩٥٦.

اعتقِل مرات في العهد العسكري الأول أيام الفريق إبراهيم عبود (١٩٥٨ – ١٩٦٤) وسجن مع زعماء الأحزاب السياسية بمدينة جوبا في جنوبي السودان.

رفض بعض القرارات التي اتخذها جعفر النميري إثر انقلابه العسكري في مايو/أيار ١٩٦٩ رغم دعم الشيوعيين لهذا الانقلاب، فنفته الحكومة إلى مصر في ٢٢ مارس/آذار ١٩٧٠، وحظرت نشاط الحزب الشيوعي والمؤسسات التابعة له.

سُمح لمحجوب بالعودة إلى بلاده – بعد ثلاثة أشهر قضاها في مصر – بطلب من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

اعتقِل مرتين إثر رجوعه إلى السودان، كانت آخرها في ١٦ نوفمبر/تشرين الثاني ١٩٧٠ في السجن الحربي بأم درمان ثم في معسكر للجيش جنوب الخرطوم.

تم تهريبه من المعتقل في أواخر حزيران. وقع انقلاب ١٩ يوليو/تموز ١٩٧١ الذي قاده الرائد هاشم العطا المحسوب على الشيوعيين، لكن نميري أفشل الانقلاب واستعاد السيطرة على البلاد في ٢٢ يوليو محملاً الشيوعيين مسؤولية ما جرى، فاعتقِل محجوب مجدداً مع أبرز قيادات الحزب، وكان ذلك الاعتقال الفصل الأخير في حياته.

آمن محجوب في كتاباته بأن “الفكرة الشيوعية تدعو في نهايتها إلى الاشتراكية حيث يمّحي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان”، وبأن الشعب السوداني سيصل إلى المجتمع الاشتراكي بطريقته الخاصة ووفق تقاليده.

ومن أقواله: “هل صحيح أن الفكرة السياسية الشيوعية في السودان تدعو لإسقاط الدين الإسلامي؟ كلا، إن هذا مجرد كذب سخيف. إن فكرتي التي أؤمن بها تدعو إلى توحيد صفوف السودانيين ضد عدو واحد هو الاستعمار الأجنبي، وبهدف واحد هو استقلال السودان وقيام حكم يسعد الشعب ويحقق أمانيه”.

ويضيف: “إن الفكر الشيوعي ليس أمامه من عدو حقيقي في البلاد سوى الاستعمار الأجنبي ومن يلتفون حوله، فأين هذا الهدف من محاربة الدين الإسلامي؟”.

المؤلفات

ألف محجوب كتبا عدة، منها: “لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني”، و “حول الائتلاف الرجعي”، و “المدارس الاشتراكية في أفريقيا”، و “آراء وأفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين”، و “دفاع أمام المحاكم العسكرية”.

الوفاة

حوكم بعد فشل انقلاب هاشم العطا أمام محكمة عسكرية قضت بإعدامه، فنفذ فيه الحكم يوم ٢٨ يوليو/تموز ١٩٧١.

تقييم عام لمسيرة الشهيد محجوب

لم يمنع اعتناق عبد الخالق محجوب للفكر الماركسي في القاهرة من خلال “الحركة المصرية للتحرر الوطني” بفترة ١٩٤٥ – ١٩٤٦ بزعامة هنري كورييل من أن يكون مؤيداً لاتفاقية ١٩٥٣ التي نادت بانفصال السودان عن مصر. كانت مشاركته في تأسيس “الحركة السودانية للتحرر الوطني” في آب ١٩٤٦ تعبيراً عن إدراكه بأن هناك طريقاً سودانياً ماركسياً خاصاً.

كان الشهيد محجوب من أوائل الشيوعيين العرب الذين أدركوا ضرورة تفاعل الماركسية مع الثقافة الاسلامية وعدم التصادم معها، وضرورة أخذ التنوع السوداني الذي يجمع العرب والأفارقة في بوتقة سودانية واحدة بعين الاعتبار. لم يحد عن الخط الاستقلالي للشيوعيين السودانيين عن السوفيات واستشهد وهو على خلاف مع موسكو التي لم تكن راضية عن صدام الشيوعيين السودانيين مع نظام النميري.