علامات مميزة في الانتخابات البرلمانية العراقية

الدكتور جون نسطة: نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، نقلت العراق من شاطئ قديم تميز ببصمات الحاكم الأمريكي بريمر، من قوائم طائفية واثنية صرفة، إلى شاطئ جديد، يبشر بدحر المحاصصات الطائفية والاثنية التي كانت سائدة، إلى أسلوب جديد بالحكم، يعتمد على البرامج السياسية في التحالفات لتشكيل الحكومة. 

وهكذا على سبيل المثال لا الحصر، دخل تحالف سائرون المعركة الانتخابية تحت شعارات ضد الفساد والطائفية، داعياً إلى نظام مدني للدولة. 

ودخل حزب الدعوة الشيعي بقائمتين، قائمة العبادي وقائمة المالكي، ولم تتمثل الطائفة السنية بقائمة منفردة وخاصة بها، بل توزع كل المرشحين السنة على كل القوائم الأخرى تقريباً. 

ولم نلاحظ وجود قائمة واحدة تمثل الأكراد، بل جرى تمثيلهم من خلال خمس قوائم، تمثل اتجاهات وبرنامج مختلفة.

وهناك علامة مميزة وبارزة بكون المرجعية الشيعية العليا ممثلة بآية الله السيستاني لم تدعو الى مساندة حزب معين أو قائمة معينة، بل دعت إلى انتخاب من يدعو إلى محاربة الفساد والإرهاب، وإلى انتخاب أصحاب الكفاءات. حيث شكلت مكافحة الفساد الهم والمطلب الرئيس للمواطن العراقي الذي كان يشير بأصابع الاتهام إلى جميع الأحزاب والتجمعات السابقة بالمشاركة بالفساد والمحسوبيات، وكان لديه نوع من اليأس في امكانية التغيير المنشود، مما انعكس بشكل واضح على النسبة المئوية الضئيلة للمشاركين في الانتخابات، حيث وصلت إلى نسبة ٤٤,٤٪ فقط، في حين وصلت هذه النسبة في الانتخابات السابقة إلى ٦٠٪.

إن حصول قائمة سائرون على المرتبة الأولى، تشكل ظاهرة هامة وجديدة جداً. فهذه القائمة الموحدة المشكلة من حزب مقتدى الصدر الجديد “الاستقامة” والحزب الشيوعي العراقي وخمسة أحزاب وقوى أخرى، لم تأت من فراغ، بل كانت نتيجة أعوام عديدة من النضالات والاعتصامات والمظاهرات المشتركة في ساحة التحرير وغيرها من الشوارع العراقية، والتي بدأت بالمطالبة بالكهرباء والماء النقي وصولاً إلى المطالبة بالقضاء على الفساد ومحاربة الفاسدين بأسمائهم، إلى إنهاء نظام المحاصصة الطائفية. 

وبهذا يمكن الحديث امتداداً للمجتمع المدني. 

إن نجاح العديد من النواب الشيوعيين يمثل ظاهرة جديدة وبارزة في الحياة السياسية والبرلمانية العراقية والعربية أيضاً. ويسمح لهم بتشكيل كتلة برلمانية بالمجلس الجديد. 

وعلامة مميزة هامة أخرى هي غياب أسماء عديدة من الفاسدين القدامى ومن عتاة الرجعية الذين طالب بعضهم بمنع بيع الكحول في كل أرجاء العراق، وبعضهم نادى بالسماح بجواز البنات تحت سن الرابعة عشر. 

وعلى النطاق الوطني العام يمكن القول بأن نتائج الانتخابات شكلت تراجعاً كبيراً للنفوذ الإيراني، وتقوية الاتجاه الوطني الليبرالي.

في لقائه البارحة في ٢٠ من شهر أيار الجاري مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، شدد مقتدى الصدر على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تشترك فيها معظم القوى المتواجدة على الساحة السياسية.

وأخيرا نأمل أن تشكل نتائج الانتخابات بارقة أمل كبيرة بخروج العراق من أزمته وتعافيه من الأمراض السابقة، وبدءه في مرحلة البناء والتعمير وإعادة المهجرين واللاجئين إلى ديارهم، والمساهمة الإيجابية على الساحة العربية.