عادل كنيهر حافظ: كانت وما زالت وستظل التحالفات الوطنية من الموضوعات التي تحظى بكبير العناية والاهتمام في الفكر الماركسي النظري، وفعلاً تحالفت بعض الجمعيات العمالية التي تنضوي تحت لواء جمعية العادلين التي أسسها ماركس وأنجلز، تحالفت مع أحزاب في فرنسا وهولندا وبريطانيا، واستمرت تحالفات الأحزاب الماركسية وبمختلف الصيغ الممكنة، وأكثر التحالفات كانت تحالفات انتخابية، لكن مؤتمر الأممية السابع بقيادة الزعيم الشيوعي البلغاري ديمتروف، أعار اهتماماً خاصاً لموضوعة التحالفات الوطنية وبقضية بناء الجبهات ضد الفاشية الهتلرية التي كانت تهدد عموم البشرية وحضارتها أنذاك، ووضع شروطاً وتوصيات في إقامة الجبهات مع القوى الأخرى، وكان أهمها هو مبدأ الاستقلالية في التحالفات، بمعنى أن يكون الحزب مستقلاً سياسياً وفكرياً وتنظيمياً، ولا يضحي الحزب بسياسته الخاصة التي تفرضها مبادئه، ولا يترك أطروحاته النظرية ولا يتخلى عن كيانه التنظيمي.
والتخلي عن شروط الاستقلالية في التحالفات يعني خرقاً وخروجاً على مقررات الأممية الشيوعية.
وقد اعتبرت فعلاً الخطوات التي اعتمدها الحزب الشيوعي المصري والجزائري في حل التنظيم الحزبي في الاتحاد الاشتراكي، خروجاً على توصيات مؤتمر الشيوعية المنعقد في ثلاثينات القرن الماضي.
وبالعودة الى تحالف الحزب الشيوعي العراقي في ائتلاف سائرون، لا نجد أن الحزب قد خالف مبادئ الشيوعية التي جرت الإشارة اليها، حيث لم يترك سياسته الخاصة التي أقرها مؤتمره العاشر، ولم يتجاوز حدود ومبادئ وموضوعات الشيوعية الفكرية، ولم يحل تنظيمه الحزبي ويذوب في تحالف سائرون.
فالحزب باقي بكل مواصفاته والتزامه الوطني، ولم يفرط بمبادئه التي بني عليها، بل اتخذ تحالف سائرون شعار الحزب الدولة المدنية شعاراً له هذا أولاً.
ثانياً- إذا كانت هناك تنازلات فهي خارج المبادئ التي جرت الإشارة إليها، ومن طبيعة أي تحالف هو أن تتنازل الأطراف كل منها عن شيء ما للتقارب مع الآخر، وليس هناك تنازل من طرف واحد فقط، ومن لم ينتبه لهذه القضية، سيقع حتماً في اخطاء في تقييمه للتحالفات الوطنية.
ثالثاً- قدرة كل حزب وقواه التنظيمية وسلامة تكتيكه داخل التحالف، هو ما يحدد دوره وما يحققه من منجزات وطنية، تنعكس حتماً على سمعته وتزيد جماهيره، وبالتالي على قدرته وتأثيره الوطني.
رابعاً- تبنى التحالفات والجبهات الوطنية، في فترة زمنية من العمل الوطني تتقارب فيها شعارات وأهداف ومصالح بعض الأحزاب تقودها عملياً إلى بناء تحالف ما ولهذا لا يمكن القول أن التحالفات تبنى على أساس رغبة ذاتية لهذا الطرف او ذاك او عدم وجود معارضة في كل حزب لخطوات التحالف.
عندما تبنى التحالفات، لا يمكن للأحزاب المؤتلفة أن تعطي عهداً لبعضها أن تستمر بالتحالف إلى ما نهاية، حتى وان كان هناك رغبة عند أحدها او بعضها في الاتحاد، لأن كل القوى داخل التحالف هي خاضعة لعملية الفرز الطبقي والسياسي ومن ثم تبديل الاولويات والمصالح، عليه من غير الصحيح النظر الى الحلف السياسي على انه سرمدي ولا يتغير، وتحالفنا مع إياد علاوي خير دليل على ذلك.
خامساً، التحالف في عموم الحال، يمثل وحدة وصراع الأضداد، بمعنى أن القوى داخل وحدة التحالف هي في صراع أيضاً نتيجة رؤية كل منها للظواهر المستجدة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما تتطلبه بالنسبة لنا مصلحة الوطن، لذلك من غير المعقول نفي الصراع بين قوى داخل التحالف، وتقييم العمل على أنه تابع ومتبوع.
ومن ما تقدم يتأهل المرء الى القول، ان الخوف حرصاً، الذي أبداه بعض الرفاق على الحزب من تحالف سائرون اجد فيه مع احترامي لما ذهبوا إليه في تقديرهم كثيراً من المبالغة، نعم لكل رفيق وصديق الحق ان يعرب عن رأيه، بالموافقة او الرفض، والجدل، ومحاولة استجلاء الاّراء هو أمر من شأنه أن يطور العمل الحزبي ويسدد الرأي، ولكن بعيداً عن الأحكام التي تعتبر الحزب قد اضاع البوصلة يعني تائه وهنا لا يمكن للإنسان العاقل أن يظل في حزب تائه ما يندل دربه، أو اللجوء لرمي رفاق بألقاب لا يرتضيها الرفيق المنتقد لنفسه، ثم لماذا العبور من الموضوع لمواضيع أخرى، رغم ان الفائدة تقتضي من المنتقد أن يبقى في إطار الموضوع ويقدم البديل الذي يرتئيه صحيح لكي تعم الفائدة وهذا حقه الطبيعي وواجبه أيضاً، أما التداعي بالحديث حتى أخطاء الجبهة مع البعث، والتي جرى تقييمها في المؤتمر الرابع للحزب عام ١٩٨٤ أعتقد بتواضع أننا لم نصل الى نتيجة، بل ونفقد الفائدة المرجوة من تبادل الرأي.